المغاربة في عيد الأضحى: احتفالات وممارسات غريبة

نادية عماري

 

دكاكين مقففلة، أزقة وشوارع خالية، صمت مطبق وسكون يعم مختلف المدن المغربية، حيث تتوقف الحركة بشكل كامل بعد أداء صلاة العيد ورجوع جموع المصلين لمنازلهم لنحر الأضاحي، لينتقل هرج الشوارع العامة داخل البيوت، إيذانا بانطلاق الاحتفال بيوم العيد.

 

طقس احتفالي سنوي يبدأ الاستعداد له بمجرد انتشار أسواق اقتناء الأضاحي، لتبدأ تحضيرات اليوم المرتقب لدى المغاربة “العيد الكبير”.

 

العيد… مسؤولية ربات البيوت

 

تحرص الحاجة سعاد على الاستيقاظ باكرا خلال يوم العيد، عادة تتكرر كل يوم لكن هاته الصبيحة مميزة بالنسبة لها ولسائر أفراد أسرتها، فمن الضروري تجهيز المائدة ومعاينة أدق التفاصيل لكي يمر اليوم الأول من العيد في أحسن الظروف. بمجرد الانتهاء من عملية ذبح وسلخ الأضحية من لدن الجزار، تبدأ مسؤولية ربة البيت التي تتكفل بفرز أحشاء الذبيحة، بغية تجهيز وجبة الإفطار للأسرة.

 

تقول الحاجة سعاد”كانسبقوا الكبدة، الطحال، القلب والشحمة لتهييء القضبان، مرفوقين بكؤوس الشاي المغربي الساخن وخبز الدار، وبعد الانتهاء من تناول الإفطار، تقوم النساء بتحضير”الدوارة ديال العيد” لتكون جاهزة للغذاء، وهناك من يقمن بتجهيز الكتف الأيمن للأضحية في عشاء اليوم الأول من العيد”.

 

تتميز صبيحة اليوم الثاني من عيد الأضحى بعملية تقطيع كلي للأضحية، حيث تحرص مختلف الأسر على أخذها لأقرب جزار في الحي لمباشرة تقطيع الأجزاء، لتقوم ربات البيوت لاحقا بوضعها في أكياس بلاستيكية بيضاء والاحتفاظ بها في الثلاجة، بعد أن يقمن بتحضير شرائح اللحم التي يتم تجفيفها في وقت لاحق، عن طريق وضعها في الشمس، بعد تحضير خلطة مشكلة من التوابل ووضعها بها، وهو ما يسمى بالقديد.

 

“سابقا، كانت عملية تقطيع الأضحية تتم داخل البيوت المغربية من طرف الأزواج، حاليا كلشي ولى ساهل ومودرن”، تضيف الحاجة سعاد بامتعاض شديد.

 

يعد الكسكس الوجبة الأبرز التي تميز اليوم الثالث، حيث يستخدم رأس الأضحية كمادة أساسية في تكوين الأكلة، ويشكل مناسبة لتجمع الأهل والأحباب حول المائدة في جو عائلي، تطبعه الألفة والوئام.

 

النيران تشتعل “في راس الدرب”

 

“السلام آخالتي، بغيتوا تشوطوا الراس ديال الحولي”، نفس الجملة تتكرر في كل فرصة تقرع فيها أبواب المنازل، أطفال وشباب من مختلف الأعمار يعرضون خدماتهم على سكان الحي. فبعد انتهائهم من إشعال النار وسط “الحومة” باستخدام الفحم وتكسير بعض الصناديق الخشبية المهترئة، يصبحون على أهبة الاستعداد لمزاولة عملهم، والمتمثل في عملية شواء رؤوس الأضاحي مقابل مبلغ مادي يتراوح ما بين 15 و 30 درهم للرأس، مبلغ يظل محل نقاش بين الشباب والزبناء حسب عدد الرؤوس وحجمها.

 

“احنا مع الجيران والجواد، نرغب في اقتسام الفرحة مع المقربين وفي الحين ذاته، كل يجود علينا بحسب قدرته”، يؤكد أحد الشباب.

 

جل سكان الحي لا يجدون غضاضة في التعامل مع هؤلاء الفتيان قصد مساعدتهم في جني بعض المال، وكذا التخلص من عناء شواء رأس وأرجل الأضحية، إلا أن بعض النساء يفضلن القيام بهاته العملية بأنفسهن بعيدا عن الاستعانة بمثل هاته الخدمات المؤدى عنها، تقول رحمة”مكنبغيش نشوط الراس في الزنقة، أولا لأنهم لا يجيدون القيام بذلك، وثانيا، كايغليوا علينا بزاف”.

 

بالنسبة لرحمة، فكل المستلزمات موجودة من فحم،”مجمر”،”مقدة”، وفتيل لتوقد النار، وبالتالي فليس من الضروري الاستعانة بخبرة هؤلاء الأطفال والمراهقين المحدودة.

 

أجواء العيد بالمغرب: عادات وطقوس

 

“تزيين رأس الخروف بالحناء”،”تغطية رؤوس الأطفال بشحم الأضحية”،”وضع قليل من دمها في إناء”، ممارسات عديدة، تعكف بعض الأسر على القيام بها خلال يوم عيد الأضحى، كشكل من أشكال الاحتفال بأجواء العيد.

 

فمباشرة بعد ذبح الأضحية، يقوم البعض بأخذ عينة من الدم ووضعها في آنية زجاجية أو فخارية، اعتقادا بأنها ستشكل مانعا ضد الحسد، وهناك من يقوم بوضع “المرارة” على أحد الجدران داخل فناء المنزل.

 

كما يتم وضع الشحم على رؤوس الأطفال الصغار لبضع دقائق قبل إزالته، وكذا رسم دائرة صغيرة من الدم على جبينهم وأيديهم، درءا للعين ولحمايتهم من أي مكروه أو شر كما يعتقدون.

 

بالنسبة للأضحية، يتم نثر حبات الملح عند مصرف المياه، اعتقادا أن هاته العملية من شأنها إبعاد وطرد الجن من المكان، كما يتم ملء فم الخروف بخليط من الملح والشعير قبل القيام بالذبح، لكي يكون اللحم وفيرا ذا جودة.

 

وبعد الانتهاء من تناول طبق الكسكس بلحم الراس، كان بعض الناس يحرصون على رمي بقايا العظام وراء ظهورهم.

 

من العادات التقليدية التي وجدت طريقها نحو الانقراض، مسألة التخلي عن جلد الخروف “الهيضورة” عوض استخدامه كجزء من الأثاث المنزلي خلال فصل الشتاء، كما دأبت على ذلك النساء المغربيات في السابق، فإلى وقت قريب كنا يقمن بتوظيبها عن طريق وضع قليل من الملح و”الشبة” قبل غسلها، ليتم تجفيفها بتعريضها لأشعة الشمس، عادة أصبحت تضمحل تدريجيا لتجد منفذا آخر في سلة المهملات والقاذورات.

زر الذهاب إلى الأعلى