الخطاب الملكي: ربط للماضي بالحاضر و واقعية اتجاه القارة السمراء

عادل قرموطي المحرر

 

لم يفوت الملك محمد السادس، فرصة احتفال الشعب المغربي بذكرى ثورة الملك و الشعب، و ما تتضمنه من دلالات تاريخية بالنسبة للشعب المغربي، من أجل بلورة خطاب اعتمد على ثلاثة محاور اساسية، و ربط الماضي بالحاضر فيما يتعلق بالسياسة التي نهجها المستعمر في السابق، بينما لاتزال القارة الافريقية تعيش على وقع نتائجها السلبية، و التي تتجلى بشكل اساسي في النزاعات القائمة بين عدد من دولها الى حدود اليوم، و الجهل و الامية المنتشرين في مختلف أرجائها، و الذين اصبحا نقطة ضعف يستخدمها المتطرفون من أجل استقطاب شباب القارة السمراء و غسل أذمغتهم بما تستدعيه الوسائل الارهابية التي تستغل ما سبق ذكره من اجل جعل القارة السمراء موطئ قدم من شأنها أن تشكل منطلقا للتوسع المتطرف نحو باقي دول العالم.

 

و لم يتردد الملك، و كعادته، في مد يد التعاون و المحبة الى الجارة الشرقية للمملكة، من اجل التضامن و الالتزام معها لبناء قارة افريقية مستقلة بذاتها، و قادرة على التاثير دوليا بعيدا عن التبعية للحلفاء التقليديين، مستحضرا في ذلك العلاقات التاريخية بين المقاومة المغربية و نظيرتها الجزائرية، و البطولات التي تحققت بفضل التعاون المشترك و التنسيق المحكم، بعيدا عن الكراهية و لغة الحدود، و كيف أن المغاربة قد ساهموا بفضل خبرتهم في التعامل مع المستعمر، في استقلال الجمهورية الجزائرية، و لم يخونوا عهد المليون شهيد الذينسقطوا حتى تتنفس الجزائر الحرية بعيدا عن استغلال المستعمرين.

 

الملك محمد السادس، لم يخفي الاهمية الخاصة التي يوليها لافريقيا، و للنهوض بمستويات شعوبها في جميع المجالات، و ذلك في اطار حب انتمائه لهذه القارة العريقة، التي يعتبر المغرب جزءا لا يتجزؤ منها، ما يعكس الصورة الحقيقية للملك الافريقي الغيور على انتمائه و ابناء جلدته من الافارقة الذين تربطهم علاقات تاريخية مع المملكة، خصوصا و أن كل هذه المجهودات، لم تكن في يوم من الايام، لغاية التكبر و الاستعلاء كما يفعل البعض، و انما لهدف واحد لا يخرج عن منطق التحرر و الاستقلالية الافريقية التي كان محمد السادس يتطلع اليها منذ أن كان وليا للعهد، في ظل تلقيه لتكوين و تربية ملتزمة، تنبني على العادات و التقاليد المغربية، المبنية على حسن الجوار و الانتماء للدين الحنيف الذي أساسه الاعتدال و حسن المجاملة.

 

الملك محمد السادس، عكس من خلال خطابه تطلعات أزيد من ثلاثين مليون مغربي اتجاه افريقيا، و راهن الى جانبهم، على التضحية بالغالي و النفيس، من أجل أن تضع افريقيا ثقتها في افريقيا، ما يعكس الثقة العمياء للمغاربة ملكا و شعبا في قارتنا السمراء، رغم الصعوبات التي تواجهها، و رغم مخلفات السياسة الكارثية التي نهجها الاستعمار طيلة عقود من الزمان، بل أن المغاربة قرروا الدخول في تحدي مع بعض الجهات النافذة، من أجل تنمية افريقيا، و جعلها تتخلص من التبعية التي تعيشها منذ خروج اخر جيش استعماري من فوق اراضيها، الشيء الذي قدرته العشرات من الدول الافريقية، التي قررت الوقوف الى جانب الملك و الالتزام مع في سياسة بناء قارة افريقية قوية تشكل قطبا جديدا في العالم.

 

علاقات المغاربة التاريخية مع افريقيا، و ارتباط الملك بوحدتها، جعل المغرب ينخرط في المساهمة في تنمية عدد من البلدان الشقيقة، بكل نكران للذات، و في تضحية بطولية، اعتمدت على العطاء دون انتظار اي شيء بالمقابل، بل فقط، من أجل الدفاع عن وحدة المصير المشترك، و نصرة لقضايا الشعوب، و هو ما تمخض عنه توقيع أزيد من 600 اتفاقية مع عدد من الدول الافريقية، منذ سنة 2010، في مظهر يعكس طفرة على مستوى الاتفاقيات التي عقدها المغرب منذ استقلاله الى ذلك اليوم، و التي تقل بكثير عن الاتفاقيات الافريقية التي وقعها على مدى الست سنوات الاخيرة تحت الغطاء الاسمر.

 

و بما أن الالتزام اتجاه افريقيا لا يمكن أن يتم الا بالاهتمام بمواطنيها، فان ما قام به المغرب اتجاه المهاجرين الافارقة فوق أراضيه، لم تسبقه له أية دولة على المستوى الاقليمي، حيث اعتمد على انجاز مقاربة انسانية مندمجة لصالح هؤلاء، شهد العالم بمختلف مكوناته بأنها تصون حقوقهم و كرامتهم، بل أن العشرات من المنظمات الحقوقية، اشادت بموقف المغرب الانساني، و بمجهودات ملكه و مختلف مؤسساته في هذا الصدد، خصوصا المبادرة التي أطلقت باوامر ملكية، و التي انتهت بادماج المهاجرين في المجتمع، من خلال تسوية اوضاعهم بكل ليونة و بعيدا عن الشروط التعجيزية التي تضعها عدد من الدول للغرض نفسه، و هو ما يجعلنا اليوم نلامس تواجد المكون الافريقي في بلادنا بشكل واضح، و اندماجه الذي انتهى بتاخي مع أهل الارض و مبايعة للملك من طرف الضيوف.

 

و ما يعكس واقعية الخطاب الملكي، و صراحته المعهودة، هو تطرقه للمشاكل التي يعيشها المهاجرون الافارقة، و التي لا تختلف عن المشاكل الاعتيادية التي يعيشها جميع المغاربة، و التي يتم التغلب عنها في اغلب الاحيان، بفضل التزام معظم هؤلاء باحترام القانون من جهة، و مجهودات المصالح المغربية من جهة أخرى، بل أن المواطن اصبح يلامس في المهاجرين الافارقة، حسن الجوار و المعاملة، و مساهمتهم و لو بشكل رمزي في الاقتصاد المحلي للمدن التي يتواجدون فيها بكثرة، و هو ما دفع الملك الى توجيه شكره لهم، و الافتخار بهم، خصوصا و أن الايام قد اثبتت أنه قد راهن على الحصان الرابح، و على أن تطلعاته و رؤيته الاستشرافية في خطوة ادماج المهاجرين كانت في محلها و أعطت دروسا لعدد من الدول التي لاتزال تتعامل بتحفظ مع هؤلاء.

 

غيرة الملك محمد السادس على افريقيا و الافارقة، و اعتزازه للانتماء اليهم، جعلته يتاسف على طرق تدبير اشكاليات المهاجرين الافارقة، و التي تحولت الى رهان انتخابي يستعمله اليمين المتطرف للاساءة اليهم، حتى تحولوا الى مادة سياسية مستهلكة، يستعملها الداعون الى ادماجهم و المعارضون لتواجدهم في عدد من الدول، و يمكن اعتبار تاسف الملك على هذه القضية كدليل على مصداقية توجهاته اتجاه القارة السمراء، و براءة دفاعه عن ساكنتها، ما أهل المغرب لرئاسة المنتدى العالمي للهجرة و التنمية، الى جاني ألمانيا لسنتي 2017-2018.

 

الملك محمد السادس، لم يفوت الفرصة، من اجل الحديث عن الارهاب، الذي اصبح يشكل عائقا حقيقيا امام تقدم القارة الافريقية، لا من حيث تهديده للدول، ولا ربط بعض الجهات له بالمهاجرين الافارقة، مؤكدا على أن الارهابيين باسم الاسلام، ليسوا مسلمين، ولا يربطهم بالاسلام الا الدوافع التي يركبون عليها لتبرير جرائمهم و حماقاتهم، و داعيا رعاياه بالمهجر، الى التشبث بالقيم المغربية و التقاليد و الاعراف المتوارثة عن الاجداد، في مواجهة هذه الظاهرة الغريبة عنهم، و لمح الملك الى معاناة مغاربة الخارج مع انعكاسات الارهاب على المهاجرين، و ما يعانون منه بسبب ربط بعض الجهات للارهاب بالمسلمين دون استثناء، مذكرا بأن المغاربة أنفسهم قد فقدوا أعزاء و احباب في عمليات ارهابية المراد منها وهم ملاقاة الحور العين.

 

خطاب الملك محمد السادس، تضمن جزءا كبيرا حول الارهاب، و انعكاساته على المهاجرين المسلمين، و المغاربة بشكل خاص، حيث حاول جلالته التأكيد على أن مغاربة المهجر هم انفسهم ضحايا لهذه الافة الاجرامية، بينما أوضح أن الارهابيين لطالما استغلوا جهل الشباب بتعاليم الدين الاسلامي الحقة، و حرفوا من الكتاب و السنة ما استطاعوا من خلاله أن يجندوا عددا من المهاجرين، و أن يستقطبوهم الى ردهات الدولة المزعومة، بينما أكد على أنه من بين الاسباب التي تغيب الامن زو الاستقرار على بعض الدول الاروبية، العنصرية و الاقصاء التي تعاني منها شرائح مختلفة من مجتمعاتها، خصوصا المهاجرين، ما يدفع بعدد منهم الى الارتماء في احضان بديلة، تقدم لهم الوهم على اساس أنها حقيقة، مستغلة غياب التأطير الديني الذي تتحمل مسؤوليته كل الجماعات و الهيات التي تعتبر أن لها مرجعية دينية، من جهة، و العنصرية الممنهجة من طرف بعض الجهات السياسية في حقهم من جهة اخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى