الجمعيات الخيرية ببوجدور، من ثقافة الإحسان إلى ثقافة الإستثمار ..

 

مقالي هذا ليس نقدا من أجل النقد، وليس تبخيسا للدور الإيجابي الذي تقوم به جمعيات المجتمع المدني بمدينتنا الحبيبة، صحيح أن العمل الجبار الذي يقوم به شباب بوجدور المتضامن عمل خيري صرف، مبتغاه جمع و تقديم الدعم والإعانات الخيرية والمساعدات المالية والعينية للأفراد والأسر المحتاجة في مواجهة الفقر، خصوصا في هاته الأيام التي تسبق عيد الأضحى المبارك ..

لكن أليس من المفترض أن تذهب تلك الإعانات المالية التي تجمع في كل مناسبة دينية كانت أو وطنية؛ في تمويل وخلق مشاريع أصغر من تلك الصغيرة والمتوسطة، هناك ما يعرف بالمشاريع المتناهية في الصغر تستهدف الأسر الفقيرة التي لا تستطيع الاقتراض من البنوك لكونها لا تملك الضمانات، ولا تملك السجل التجاري، وقد لا تمتلك الخبرة العملية، وبها شريحة كبيرة من فئة ليست متعلمة ومحدودة الإمكانيات، وتحولها من أسر محتاجة إلى أسر منتجة ..

لماذا لا نشد بأيدي هذه الفئة التي تلفقون لها اسم “الفئة الفقيرة” ذات المهارات البسيطة ونقدم إليها التمويل والإرشاد والتدريب والمتابعة، ونقيم لهم المعارض ونوافذ البيع، لتكبر مشاريعهم وتنمو وتستمر، ليتحقق بالتالي الهدف الأسمى وهو نقل الأسر “الفقيرة” من الحاجة وتلقي المساعدات إلى الإنتاج والعمل ..

“لا يوجد في الحياة رجل فاشل، ولكن يوجد رجل بدأ من القاع وبقي فيه” هذا ما قاله البروفيسور محمد يونس الذي حصل على جائزة نوبل للسلام لعطائه للفقراء ومؤسس بنك جرامين “بنك الفقراء” في بنغلاديش، البنك الذي كان يسهم في منح العديد من الفئات المحرومة أو الأقل حظاَ إمكانيات التغيير لحياة أكثر كرامة وأماناً ولتحقيق التنمية في مجتمع متحضر، حيث هدف إلى تقديم خدمات مالية مستدامة إلى الأسر المحتاجة والتي تحتوي على أفراد قادرين على العمل ..

من نظري الخاص والمتواضع، أظن بأن العمل الخيري الذي تقوم به الجمعيات الخيرية ببوجدور من جمع للمال وشراء للأضاحي لفائدة الفقراء والمحتاجين هو سيف ذو حدين، أحدهما سلبي والآخر إيجابي، الإيجابي فيه أنه ضرورة حضارية وفريضة شرعية حيث جاء الدين الإسلامي بقواعد وأخلاقيات ترمي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد أو بين أفراد المجتمعات المتعددة، وحث الإسلام على إشاعة مبادئ التضامن والمساعدة والتعاون لانتشال الفقير من فقره، والجاهل من جهله، والأمي من أميته، والمهموم من كربته، ولمساعدة المعدوم على نوائب الدهر، وقلة ذات اليد، وقهر الدين، فشرع الزكاة والصدقة والهبة والهدية والوقف وآليات عملية أخرى بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وخفض معدلات الفقر ومستويات الهشاشة والحرمان ..

أما من الناحية السلبية فما من جمعية خيرية تؤسس إلا ولها أهداف، ولكن للأسف نجد جل هذه الجمعيات تغفل أهدافها وتركز على جمع المساعدات المالية وتوزيعها مع أننا متأكدين بأنه من أحد أهدافها القضاء على مشكلة الفقر وليس تشجيعه، ولا يكن ذلك بالتسول حيث أن التبرعات تزيد من عدد المتسولين وكان الأحرى بها أن تعمل بهذا القول “لا تعطيني سمكة بل علمني كيف اصطادها”، حتى نصل إلى هدفنا السامي بالقضاء على فكرة الفقر والبطالة، لما لتتبنى الجمعيات الخيرية مشروعات تدر دخلا متواضعا على الفقراء وتضمن لهم باب رزق ثابت، عوض أن تفتح لهم باب التسول والفقر والخمول و انتظار الهدايا المالية وأكباش العيد دون جهد ولا كلل ..

يجب على الجمعيات التي تعنى بالخير تغيير توجهاتها وتنفيذ برنامج مكثف لدعم جهود التنمية البشرية المستدامة الموجهة للفئات الأكثر احتياجاً ، وحث هؤلاء للعمل والإنتاجية وعدم تشجيع هذه الفئة من طلب المعونة والمساعدات المالية التي هي في النهاية مصدر تسول راق لا يتطلب جهدا جهيدا ..

زر الذهاب إلى الأعلى