قطع الأصابع وتهشيم الأسنان والدهس.. شهادات صادمة حول تعذيب دركيين حتى الموت يوم تفكيك مخيم اكديم إيزيك!

المحرر ـ متابعة

واصلت غرفة الجنايات الاستئنافية بسلا، يوم الأربعاء 17 ماي الجاري، الاستماع إلى شهادة الشهود على الرغم من مقاطعة المتهمين المتابعين لأطوار جلساتها، فيما أكد الملاحظون الدوليون الذين يتابعون محاكمة أحداث تفكيك مخيم “اكديم إيزيك” أن المتهمين المتابعين في هذه القضية، بقرارهم مقاطعتهم للمحاكمة، يضعون أنفسهم في منطق المواجهة والهروب إلى الأمام، وهو بالتالي سلوك متهور لا يتماشى وشروط المحاكمة العادلة الجارية.

عند انطلاق هذه الجلسة، طلب المتهمون من هيئة الحكم مهلة للتشاور حول ما إذا كانوا سيستجيبون لنداء رئيس الهيئة بالحضور إلى قاعة المحاكمة من عدمه، قبل أن يقرروا في الأخير تشبثهم بمقاطعة الجلسات، رغم إحضارهم من سجن الزاكي بسلا إلى محكمة الجنايات الاستئنافية.

وقررت هيئة المحكمة، برئاسة القاضي يوسف العلقاوي، في ظل هذه التطورات، الاستمرار في مواصلة مناقشة القضية، حيث شرعت في الاستماع إلى باقي الشهود، بحضور أربعة محامين للمتهمين عينتهم المحكمة في إطار المساعدة القضائية وفق المقتضيات المنصوص عليها في المادة 317 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك إثر انسحاب دفاعهم من المحاكمة خلال جلسة الثلاثاء المنصرم.

وقدم هؤلاء الشهود شهادات مؤثرة حول ما تعرضوا له من اعتداءات، وما تعرض له الشهداء من القوات العمومية من تنكيل بجثثهم التي تحولت بفعل الدهس بواسطة الشاحنات والاعتداء بواسطة أسلحة بيضاء إلى أشلاء، فيما تعرف على غالبيتهم على الصور بعض المتهمين.

دركيون تحت التعذيب

صرح الشاهد الدركي “أشرف مشيش” للمحكمة أن أصبعا في يده اليمنى بتر بسب الاعتداء المسلح بالأسلحة البيضاء الذي تعرض له من قبل ملثمين يوم تفكيك المخيم، مؤكدا إجراءه عملية جراحية على مستوى الفك الأيسر من وجهه، بعدما قضى 7 شهور في المستشفى.

أما الشاهد الدركي “أحمد احميدوش” فقال إن نفرا من الملثمين سحبوه يوم تفكيك المخيم من وراء مقود الشاحنة، وهو مجرد من سلاحه الناري، وانهالوا عليه بالضرب بالأسلحة البيضاء حتى فقد الوعي.

وأكد الشاهد الدركي “محمد ادغيري” أنه تعرض إلى جانب عدد من عناصر الدرك للرمي بالحجارة بواسطة المقالع على مستوى مركز المراقبة الواقع وقتها بين العيون والمخيم، وأن مهاجما أسقط أسنانه بضربة مفاجئة بواسطة هراوة، واصفا ذلك الهجوم بـ”الحربي”، مضيفا أن الدركي الشهيد “أطرطور” تعرض للضرب حتى الموت، وأن زميله الضحية “طارق حجري” قطعوا أصبعه وسرقوا خاتمه، فيما تعرض الدركيان “عطاري” و”اوعدي” لاعتداء نعته بـ”الوحشي”، في وقت قال شاهد من عناصر الوقاية المدنية إن عدد ضحايا القوات العمومية كانوا بعد الاعتداء كما لو “هاجمهم حيوان مفترس”.

وقدم الشاهد المدني “يونس حاويش”، وهو تاجر من سكان المخيم، وصفا دقيقا لهيكلة المكان، والأسماء البارزة التي كان تحت إدارتها، قائلا في هذا الصدد: “المخيم كان منظما بلجان تلبس صدريات تميزها عن بعضها البعض”، مضيفا أنه شاهد “العروسي” و”بانييت والدجيجي” كانوا يرتدون صدريات سوداء، كما شاهد المتهم “الزاوي” يخاطب سكان المخيم وهو يقول: “وصلنا مع الدولة وهي تخوي بيكم، ونحن معهم في حرب حتى الموت”.

وكشف الشاهد ذاته أنه رأى يوم التفكيك أشخاصا غادروا المخيم بعد نداء التحريض، وملثمون يحتشدون لمهاجمة القوات العمومية، أما المتهمون “الضافي الديش” و”أحمد السباعي” و”العروسي” و”الزاوي” و”بوتنكيزة” و”بوريال” و”مجييد” و”بانييت” و”التوبالي” صدموا بسيارات رباعية الدفع شاحنة للقوات المساعدة، واعتدوا على من سقط منها من عناصر، بواسطة الدهس أو الضرب والجرح.

الشاهد الصحراوي يفضح من جديد

تمكن الشاهد الصحراوي “حسن لمتيوي” خلال الجلسة المسائية من التعرف على أربعة متهمين، على رأسهم النعمة الأسفاري، وحدّد المهام التي كانت موكولة إليهم داخل المخيم، وذلك بعد أن عرضت المحكمة على الشاهد صور جميع المتهمين الذين لم يكونوا موجودين داخل قاعة الجلسة بعد قرارهم أول أمس الانسحاب من المحاكمة.

وأكد الشاهد، الذي كان من بين المقيمين بالمخيم، معاينته للمتهمين النعمة الأسفاري وأحمد السباعي وحسن الزاوي وعبد الجليل العروسي وهم يقومون يوم تفكيك المخيم بتوزيع الأسلحة البيضاء على المهاجمين، قائلا باللهجة الحسانية: “رايتم يوزعوا لمضية”.

وتعرف الدركيون الشهود الضحايا “علي عريقة” و”زكرياء الرايس” و”حميد اوبايش” و”عبد الجليل الكوشي” على المتهمين، بنسب تحقق متفاوتة من صورهم” وهم: “عبد الله الخفاوني”، و”حسن الزاوي”، و”الديش الضافي”، و”النعمة الأسفاري”، و”الفقير مبارك”، و”محمد باني”، و”محمد بوريال”، و”الشيخ بنكا”، و”أحمد السباعي”، إذ أكد الشاهد أوبايش، الذي اتهم المتهم “باني” بدهسه بسيارة رباعية الدفع أنه قادر على التعرف على المتهم المذكور في حال مواجهته المباشرة معه.

تهمة تلقي تعليمات من الخارج

أكد الملاحظون الدوليون الذين يتابعون محاكمة أحداث تفكيك مخيم “اكديم إيزيك” أن المتهمين المتابعين في هذه القضية، بقرارهم مقاطعتهم للمحاكمة، يضعون أنفسهم في “منطق المواجهة والهروب إلى الأمام”، وهو بالتالي سلوك متهور لا يتماشى وشروط المحاكمة العادلة الجارية.

وقال الملاحظ الدولي عن الجمعية الفرنسية للنهوض بالحريات الأساسية، شارل سانت برو، خلال مؤتمر صحفي عقده ملاحظون دوليون حول تطورات الملف، أول أمس الأربعاء بالرباط، إن هذه القضية غير المتسقة من الناحية الأخلاقية، تجمع من جهة بين محكمة عازمة على إجراء محاكمة عادلة تتماشى مع المساطر الجنائية والمعايير الدولية، وبين متهمين يسعون يائسين إلى فعل أي شيء لنسف هذه المحاكمة، من جهة ثانية.

وتابع أن المتهمين الذي يبدو جليا أنهم يتلقون تعليماتهم من الخارج، لم يرغبوا يوما في محاكمة عادلة، موضحا أن إقدامهم على الانسحاب يوحي بالنظر إلى توقيته وحدوثه المفاجئ، أنه كان مدبرا سلفا لاسيما مع تعاقب الشهادات والأدلة التي تثبت تورطهم في هذه القضية.

وأضاف أن “المتهمين وأولئك الذين يقفون وراءهم، والذين يسعون إلى نسف هذه المحاكمة وجعلها قضية سياسية، يستخفون تماما بضمانات المحاكمة العادلة، معتمدين في ذلك “على محاميتين أجنبيتين لم تظهرا خلال الجلسات لـ15 يوما واللتين قدمتا، صدفة، لحظة الانسحاب لإثارة الفوضى”.

وأعرب الملاحظ الدولي عن استيائه لتطاول إحدى هاتين المحاميتين على رئاسة المحكمة، منوها بـ”كفاءة” رئيس المحكمة الذي أبان عن احترام تام للمساطر الجنائية والمعايير الدولية.

محامون عرب وعجم ينقطون المحاكمة

أبرزت المحامية بهيئة باريس، آريان دو غيان شميت غينيو، أن “الانسحاب من قضية ما يعتبر عملة متداولة إذا جرت أطوارها في غير صالح المتهمين”. وقالت المحامية، في ندوة صحفية عقدت على هامش هذه الجلسة، إن هذا الانسحاب يؤكد وجود نية العمد لنسف محاكمة أرادت لها المحكمة أن تكون عادلة، موضحة أنه “تم اتخاذ كافة الإجراءات لحماية شروط المحاكمة العادلة وتكافؤ فرص الدفاع”.

من جانبه، أكد الملاحظ الدولي أندري مارتان كارونغوزي، أن هذا الانسحاب “غير متوقع باعتبار أنه أتيحت للمتهمين فرصة الدفاع عن أنفسهم مرة أخرى، بعد صدور حكم بحقهم من محكمة عسكرية، والخضوع لمحاكمة تمنحهم كافة الحقوق والضمانات”.

وقال كارونغوزي، المحامي بهيئة بروكسيل، “لقد عملت بأوروبا وإفريقيا، وفوجئت كثيرا بالطريقة التي يتم بها احترام المساطر علما أن الأمر يتعلق بقضية جنائية بالغة الخطورة”، مضيفا أن الفضل في ذلك يعود بالأساس إلى رئيس المحكمة الذي يقود، بمهنية عالية، قضية حساسة للغاية.

من جهته، قال ممثل اتحاد المحامين العرب في قضية أحداث تفكيك مخيم اكديم إيزيك، يوسف عبد الرحيم أبو هاشم، إن انسحاب المتهمين راجع إلى ظهور أدلة جديدة حاصرتهم وأثبتت جزءا كبيرا من ملابسات هذه القضية، موضحا أن اعتقادهم بالامتناع عن الحضور أمام المحكمة من شأنه أن يعطل إجراءات المحاكمة، يعد “خطأ كبيرا”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى