“” اختفت التربية،فتشرد التعليم” -حلقة1-

إن المؤسسة التعليمية اليوم، لا تكاد تكون مؤسسة مادام أحد أركانها محطما، منكسرا، مغيبا تحت تأثير مخدر الإهمال واللامبالاة.

 
وحديثي هنا، حديث عما يقع على ركن ركين ، وحصن قوي متين،يتبدى به مبدأ التربية وما يتشعب عنها من آداب وأخلاق وسلوكيات،إذ لا يتصور في العقل السليم ذو النظر القويم وجود مؤسسة تعليمية تتجنب هذا المبدأ الرفيع، الذي به نصنع إنسانا صالحا يخدم نفسه ومجتمعه.

 
ولعل الناظر والمتتبع لأحوال المجتمع الجريح الذي يئن بين الفنية والأخرى تحت وطأة الضمور،و الدارس لواقعه الهش جراء رشفه بأسهم الأزمات المتتالية المتعاقبة، التي باتت معروفة وكأنها فصول السنة الأربعة،سيجد بلا شك أن المؤسسة التعليمية التي هي بمثابة الأم الثانية في التربية قبل التعليم والتلقين ،والتي كان لها الدور الكبير في بناء عقل التلميذ(ة)،حتى تكون ذاته(ا) قادرة على الإنتاج،وتحدي الصعاب؛قد تغيرت صناعتها وتلاشت أهدافها وتبخرت أحلامها،وصار التلميذ غارقا في المشاكل حتى الركب.

 

وذلك حينما كان التلميذ بالأمس القريب نموذجا حيا للأخلاق والآداب الظاهرة في أفعاله وأقواله،التي ما أن تمعن فيها بعين فاحصة تجدها خاضعة لمعيار الأخلاق ومقياس الأدب،أصبح اليوم علة على المجتمع،لما تبنى الفكر الغربي و أخذ به على نحو مقلوب،وسار له مقلدا ،وهذا يظهر جليا في سلوكياته(ا)وأفعاله(ا) ولباسه(ا) التي تفتقد لمعيار الحشمة و الوقار،لدرجة طأطأ الحياء رأسه خجلا من هول الحال الذي آل إليه التلميذ(ة).
السؤال الذي يطرح نفسه،ما موقع المؤسسة بمديرها وأطرها من هذا المشكل العويص؟
الجواب عنه بسيط،وهو أن المؤسسة تمثل الأسرة الثانية من جهة والملقنة للمعرفة من جهة أخرى،فالتربية هي أساس الأخلاق الرفيعة،والخصال الجليلة،فعندما سميت الوزارة الوصية بهذا القطاع(بوزارة التربية والتعليم) فإن هذا الترتيب لم يكن عشوائيا،بل كان قائما على حكمة بليغة وغاية فريدة،لذلك قدمت التربية على التعليم،لأنها اللبنة الأساسية في بناء حياة الإنسان ،قال تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) سورة الجمعة الآية 02.

 
فإذا صلحت التربية صلح كل ما بني على أساسها، و إلا فالخراب نتيجة محتومة.
أما التعليم فهو تلك العملية التي يمارسها المعلم بهدف نقل ما في ذهنه من معلومات ومعارف إلى المتعلمين، وهنا يأتي دوره باستغلال هذه المعارف وتمريرها عبر قنوات الأخلاق والتربية مما يزيد التلميذ ثقة بنفسه، ويكون تحصيله العلمي والمعرفي وفق المستوى المطلوب.

 
إذا فالتربية أوسع نطاقا واشمل من التعليم، لكنهما ليسا متعارضين ولا منفصلين، بل هما أمران متلازمان متكاملان، لا يتصور عزل احدهما عن الأخر، فلكل منهما دوره الخاص في بناء شخصية التلميذ.

                                                      يتبع .  

زر الذهاب إلى الأعلى