ملف ..«إكديم إزيك» بين السياسة وحقوق الضحايا

المحرر

من جديد، أرجأت غرفة الجنايات الاستئنافية محاكمة «متهمي إكديم إزيك» إلى 15 مارس (آذار) القادم، بعد جلسة يوم أمس الحافلة بالمشادات، وتستقطب قضية «إكديم إزيك»، اهتمامًا دوليًا وتغطية واسعة من طرف وسائل الإعلام الوطنية والعالمية.

قصة إكديم إزيك

تبدأ قصة «إكديم إزيك» منذ ست سنوات من الآن، في بداية أكتوبر (تشرين الأول) 2010، عندما أقام مئات المحتجين من مدينة العيون، جنوب المغرب، مخيمًا اعتصاميًا خارج المدار الحضري للمدينة بحوالي 12 كيلومترًا، سُمي بمخيم «إكديم إزيك»، وأصر المعتصمون على البقاء فيه حتى تستجيب السلطات المحلية لمطالبهم الاجتماعية.

وبعد 27 يومًا من الاعتصام، تعرض حاجز أمني للقوة العمومية لاقتحام من طرف أشخاص كانوا على متن سيارتين رباعيتي الدفع، قام ركاب إحداهما بإطلاق النار على أفراد القوة المذكورة، ما اضطر الأخيرة للرد على هذا الاعتداء، فتوفي على أثر ذلك طفل لإحدى العائلات المعتصمة عن طريق الخطأ.

أشعل الحادث سخطًا بين المعتصمين، وتحولت شيئًا فشيئًا المطالب الاجتماعية إلى شعارات سياسية انفصالية، دفعت القوات الأمنية سريعًا إلى اتخاذ قرار تفكيك المخيم بالقوة بعدما اعتبرت السلطة أن المخيم وصل لدرجة الفلتان الأمني.

لكن فك المخيم لم يكن بالسهولة التي كانت تتوقعها السلطات الأمنية، إذ سرعان ما تحول الأمر إلى مواجهات عنيفة بين قسم من المحتجين، اعتبرتهم السلطة انفصاليين مناصرين لجبهة البوليساريو، والقوات العمومية المتدخلة، حيث قوبلت الأخيرة بالرشق بالحجارة والزجاجات الحارقة وقنينات الغاز، بالإضافة إلى استعمال الأسلحة البيضاء.

كانت الحصيلة ثقيلة تفوح منها رائحة الدماء، أسفرت، وفق الداخلية المغربية، عن سقوط 11 قتيلًا بين صفوف قوات الأمن، من ضمنهم عنصر في الوقاية المدنية، و70 جريحًا من بين تلك القوات، علاوة على التمثيل بجثث عدد من عناصر الأمن، فيما توفي طفل ومدنيان.

وعلى إثر ذلك، اعتقل 25 متهمًا تم إخضاعهم فيما بعد لمحكمة عسكرية، لتبدأ فصول طويلة من المحاكمات، لا تزال مستمرة حتى الساعة، بخاصة وأن القضية تكتسي طابعًا حساسًا، نظرًا للاهتمام الدولي، حقوقيًا وإعلاميًا، بالمتهمين المنتمين لمدينة العيون جنوب المغرب، ومن ثمة تأثيرها على قضية الصحراء.

محاكمات ماراطونية متواصلة

حوكم المتهمون في البداية في محكمة عسكرية، رغم الانتقادات الدولية آنذاك، وقضت محكمة الرباط العسكرية في 18 فبراير (شباط) 2013، بـ«السجن المؤبد» على تسعة ناشطين صحراويين بتهم من بينها «تشكيل عصابة إجرامية» و«العنف المفضي إلى الموت بنية إحداثه في حق القوات العمومية أثناء مزاولتهم لمهامهم»، و«التمثيل بالجثث»، فيما حوكم أربعة معتقلين بـ30 سنة سجنًا، وسبعة آخرين بـ25 سنة سجنًا، وثلاثة منهم بـ20 سنة سجنًا، ومعتقلان حوكما بالمدة التي قضياها بالسجن.

لكن بعد دخول القانون الجديد المتعلق بالقضاء العسكري حيز التنفيذ في يوليو (تموز) 2015، والذي بات بموجبه من غير الممكن محاكمة المدنيين أمام محكمة عسكرية، قضت محكمة النقض بإعادة محاكمة المتهمين في محكمة مدنية، وذلك بعد أن تقدم دفاع المتهمين بطعن في الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية.

وقد عرفت جلسة 23 يناير (كانون الثاني) لغطًا شديدًا، حيث ابتدأت على وقع وقفتين احتجاجيتين أمام المحكمة الابتدائية بمدينة سلا، وشهدت تراشقًا كلاميًا بين عائلات المتهمين وعائلات الضحايا من رجال الأمن، كما صدحت شعارات انفصالية من مناصرين للمتهمين، داخل قاعة المحكمة التي امتلأت عن آخرها بالحضور.

وعلى الرغم من أن الجلسة استمرت حوالي عشر ساعات، كإحدى أطول الجلسات، إلا أنها لم تثمر عن شيء، إذ طوال الجلسة استمر الجدال بين دفاع المتهمين ومحامي عائلات الضحايا حول نقطة واحدة، وهي أحقية عائلات الضحايا الـ11 في المطالبة بـ«الحدث المدني»، على غرار دفاع المتهمين، المسألة التي أشعلت جدلًا محتدمًا بين الطرفين، تخلله اتهامات متبادلة بتسييس القضية.

محاكمة كديم إزيك والدولة المغربية

لا تشبه محاكمة «كديم إزيك» في المملكة باقي المحاكمات الأخرى سواء كانت جنائية أو سياسية، إذ تتسلط أضواء وسائل الإعلام الدولية ومراقبي المراكز الحقوقية على هذه المحاكمة، وتستقصي مدى توفر شروط المحاكمة العادلة، لا سيما وأن الأمر يرتبط بقضية الصحراء، التي لا تزال في وضع «المتنازع حولها» في نظر الأممية الدولية.

ومن هنا يكتسي ملف كديم إزيك طابعًا حساسًا، يتم التعامل معه بحذر شديد من قبل الدولة، بهدف تجنب الإضرار بالقضية الأولى للمملكة المغربية، وهي الصحراء، أمام المجتمع الدولي. ومن ثمة تحرص المملكة على التأكيد على إجراء محاكمة جنائية غير متسرعة وبعيدة عن التسييس، ومتوفرة على المعايير الدولية للمحاكمات العادلة.

لكن من جهة أخرى يضغط محامو عائلات الضحايا من قتلى رجال الأمن، الذين يخشون التفريط في حقوقهم لاعتبارات سياسية دولية، ويرغبون في إيقاع أقصى عقاب في حق المتهمين، وقد قال المحامي عبد اللطيف وهبي: «لا تضحوا بنا ولا تقتلونا مرتين؛ لأن القتلة الثانية ستكون أكبر وأعمق جرحًا من الأولى»، فيما يصر دفاع المتهمين على أن هناك دوافع سياسية تتخلل المحاكمة.

من جهة أخرى، يؤكد يوسف العلقاوي، رئيس هيئة الحكم في ملف المعتقلين المرتبط بـ«أحداث إكديم إيزيك»، الذي حافظ على هدوئه وسط الشعارات الانفصالية داخل المحكمة والمشاداة الساخنة بين محامي الضحايا ودفاع المتهمين، بأنه «لا بديل عن المحاكمة العادلة».

ويظهر أن فصول المحاكمة ستمتد لفصول طويلة قبل النطق بالحكم الأخير، خاصة وأن الأمر لا يزال في المرحلة الابتدائية فقط، وبالتالي تستمر المتابعة الإعلامية والدولية لهذه القضية، المتشابكة أبعادها.

ايلاف

زر الذهاب إلى الأعلى