لوموند: ماكرون في مواجهة مأزق الرضوخ لمطالب المغرب بشأن الصحراء المغربية دون تقويض مشروعه لمصالحة الذاكرة مع الجزائر

تحت عنوان: ‘‘لعبة التوازن الحساسة لفرنسا في المنطقة المغاربية’’، قالت صحيفة ‘‘لوموند’’ الفرنسية إن من المتوقع أن يكون عام 2023 دقيقًا بالنسبة لإيمانويل ماكرون في علاقاته مع شمال إفريقيا، حيث سيتعين عليه إظهار توازن دقيق بين المغرب والجزائر. كيف يسترضي أحدهما دون تنفير الآخر في ظل التوتر بين الجزائر والرباط والذي وصل إلى العلاقات الدبلوماسية في صيف 2021؟

كان التقليد أن فرنسا كانت إلى حد ما مؤيدة للمغرب، وأن رابطها مع الجزائر مضطرب بشكل لا يمكن إصلاحه، على الرغم من الحفاظ عليه، مع أن كلاً منهما يتعايش أو يتكيف مع هذا الإرث من التاريخ. في وزارة الخارجية الفرنسية تلخص مقولة موقف باريس: ‘‘الرئيس الفرنسي يبدأ بالجزائر وينتهي بالمغرب”. غير أن تطور السياق الاستراتيجي الإقليمي بالإضافة إلى بعض التغييرات في الدبلوماسية الفرنسية أعاد تشكيل المشهد. يتعين إيجاد نقطة توازن جديدة. ويبدو الاختبار محفوفاً بالمخاطر، تقول صحيفة ‘‘لوموند’’.

اعتبرت ‘‘لوموند’’ أن الزيارة المقبلة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط، المفترض أن تتم في ‘‘الربع الأول’’ من العام الجاري، ستعطي مؤشرا قيما على إعادة التقويم التي قررها الإليزيه. فهذه الزيارة مرتقبة بقوة، إذ يُفترض أن تنهي مرحلة جليدية في العلاقة الفرنسية-المغربية، تمثّلت في سلسلة من الاحتكاكات – أزمة التأشيرات، موقف باريس من ملف الصحراء المغربية، رهان إيمانويل ماكرون الجزائري، إلخ.. – والتي غذّت القلق العميق بين العاصمتين. وقد قامت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، بزيارة إلى الرباط منتصف شهر ديسمبر الماضي مما ساعد على دفء العلاقة إلى حد ما. وأعلنت بهذه المناسبة رفع القيود المفروضة على التأشيرات في شهر سبتمبر عام 2021، ردا على عدم رغبة السلطات القنصلية المغربية في إعادة قبول المهاجرين غير النظاميين غير المرغوب فيهم على الأراضي الفرنسية.

اعتراف بالسيادة

انتهت ‘‘أزمة التأشيرات’’ أيضا مع الجزائر وتونس اللتين تعرضتا للعقوبة ذاتها للأسباب نفسها. اتخذت باريس الإجراء الخطأ استراتيجيا المتمثل في معاقبة النخب الناطقة بالفرنسية المعتادة على المجيء والذهاب إلى جانبي البحر الأبيض المتوسط. الأمر الذي أثار حفيظتهم. وبالتالي كان من الضروري نزع فتيل خطر الطلاق الصريح والعلني، تقول ‘‘لوموند’’، موضحة أنه من وجهة نظر المغرب، فإن التهدئة على جبهة التأشيرات لن تكون كافية كي تستعيد العلاقات الثنائية بريقها السابق، لأن القضية الدبلوماسية الوحيدة التي تهم الرباط الآن هي الصحراء المغربية، حيث يهدف جوهر سياسة المملكة الخارجية اليوم إلى الحصول من أكبر عدد ممكن من الدول على اعتراف بـ‘‘مغربية’’ الصحراء.

وبالتالي – تتابع ‘‘لوموند’’ – يريد المغرب أن تعترف فرنسا رسميًا بـ ‘‘مغربية’’ الصحراء ، وهي خطوة اتخذها في نهاية عام 2020 الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في نهاية فترة ولايته. أو، على الأقل، أن تذهب باريس إلى أبعد من مجرد الترويج لخطة الحكم الذاتي المغربية التي تصفها الخارجية الفرنسية، منذ عرضها في عام 2007 بمبادرة من الملك محمد السادس، بأنها ‘‘أساس لمناقشة جادة وقابلة للتصديق’’. فهذه الصيغة التي كانت رائدة وقتها باتت الرباط اليوم ترى أنها غير كافية، بل عفا عليها الزمن، بالنظر إلى الموقف الجديد لواشنطن أو التغيير في موقف مدريد.

الرهان التاريخي للمصالحة

ففي تحول مذهل في شهر مارس الماضي، تبنت الحكومة الإسبانية خطة الحكم الذاتي المغربية على أنها ‘‘الأساس الأكثر جدية ومصداقية’’ بهدف حل النزاع. وهي خطوة أشاد بها المغرب باعتبارها اعترافًا ضمنيًا بالسيادة. في ظل هذه الظروف، تطلب المملكة المغربية من فرنسا ‘‘تجديد’’ مقاربتها في العلاقات الثنائية من أجل ‘‘التكيف’’ مع ‘‘التغيير في المناخ الجيوسياسي الإقليمي’’، أي تحرر المغرب بطموحاته المتزايدة، بتنويع شراكاته الخارجية (الصين وروسيا) حتى تشكيل تحالف شبه أمني مع إسرائيل.

هنا – تواصل ‘‘لوموند’’ – يَكمن التحدي الذي سيواجهه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته المقبلة للرباط. هل سيقدم تنازلاً لغويًا بشأن الصحراء المغربية من شأنه أن يعطي مصداقية للانطباع بأن الرباط تحقق مكاسب دبلوماسية بشأن هذه القضية؟ فرفض باريس المضي قدماً في المصادقة على ما يطلبه المغرب -على الوضع الراهن الذي تركته وزيرة الخارجية كاترين كولونا خلال زيارتها للرباط- قد يعرض للخطر الجهود المبذولة لإحياء العلاقة الثنائية المتعثرة بين البلدين. لكن الرضوخ لمطالب الرباط قد ينطوي على خطر آخر، وهو استعداء الجزائر – داعمة جبهة البوليساريو – التي يحاول ماكرون معها الرهان التاريخي للمصالحة، وهو المشروع الكبير القريب من قلبه، ويطبع مقاربته للمغرب العربي.

وأشارت ‘‘لوموند’’ إلى أن الجزائر عاقبت إسبانيا بقسوة بسبب دعمها للأطروحات المغربية، موضحة أنه بالنسبة لباريس، لا يفتقر الجزائريون إلى الرافعات للضغط على عدد معين من القضايا: مصالحة الذاكرة المتعلقة بالحرب الجزائرية، وإمدادات الغاز (الثمين في سياق الحرب في أوكرانيا)، أو التعاون الأمني ​​في الساحل. وأمام هذا المأزق الحساس، سيتعين على الرئيس الفرنسي إيجاد شروط للتوازن الذي سيكون عليه إقامته.

زر الذهاب إلى الأعلى