قرية أولاد موسى جنة الإسمنت: ج 3: سوق غريب للخضر وقفة الشتاء والصيف

المحرر سلا

 

لا زلنا نركز على جوهر الحديث ألا و هو سوق غريب للخضر بالقرية سلا، و الذي يتوسط أحياءها ويشكل نواة حركيتها ويمدها بالطاقة والروائح الزكية المستخلصة من عصارة النفايات.

 

ولهذا السوق حكاية مشابهة مع فارق في الأهداف والنتائج مع زمن قريش، فقريش عرفوا برحلة الشتاء والصيف وأهل القرية بسلا اليوم معروفون بقفة الشتاء والصيف، حيث أنه في فصل الشتاء عندما يختلط ماء الغيث بالتراب منتجا “غيسا” يصبح الانزلاق السمة الأساسية لزائرين وما يكاد الواحد يسقط حتى تسبقه القفة إلى الأرض.

 

القفة المسكينة المجني عليها سواء كانت محمولة او مجرورة، فان الجميع يعلمون انها لا تدخل ارفع الأماكن في المنزل لدى أهل القرية، ولا حتى المطبخ الذي يفترض أنه مكانها الطبيعي، فترى المواطن يتركها عند الدرج أو يحملها إلى السطح ثم يستخرج محتوياتها فرادى.

 

ونتيجة لذلك “الغيس” فان نساء القرية خصوصا بحكم تبضعهن أكثر من الرجال تستعمل الواحدة منهن حذاء أو نعلا خاصا بالسوق، ولو نظرت إليها مهما بلغ جمالها وتأنقها وهي ترتديه جارة خلفها قفتها لأشفقت لحالها وهممت بالتصدق لها.

 

أما والمطر يهطل فوق “عشش” السوق،  وفق ما يحكي أحد المتبضعين، فانك تسمع إيقاعا موسيقيا واحدا يبعث على الانزعاج والحزن ولا يشفع للمرء بتقبله إلا كون مصدره غيث خالقنا، وحينذاك وجب عليك وانت تتسوق أن تراوغ كأنك تلعب “عصبة الأبطال” قطرات منسابة من ثقوب سقف “العشش” أو سيول منصبة بين فراغاتها، وحين يشتد سقوط المطر يصبح “الغيس” نظيرا “للبيصارة” لا فرق بينهما إلا اللون.

 

وبالتعريج على قفة الصيف، فإن صيف السوق تكون درجة حرارته مضاعفة لامتزاج حرارة الشمس بحرارة القصدير، وحينها تنتعش شتى أنواع الحشرات والقوارض والكلاب والقطط الضالة، أما مخلفات السمك والدجاج فتتحول في غضون دقائق إلى مشتل للطفيليات والجراثيم، ما جعل عددا من التجار المجاورين لبائعي السمك خصوصا يجرون عمليات جراحية على العيون وينتعلون النظارات ويصابون بأمراض الربو والصدر.

 

وبين الفصلين معا قد يروح المتسوق بقفته كما عاد صاحب الجمل بخفي حنين، ذلك أن ما وصفناه في الجزء السابق بالعيون المتربصة والأنامل الخفيفة، التي هي عبارة عن نشاط عابر للفصول يشكل خطرا على القفة، إذ يصطف يافعون في عمر الزهور من الجانبين ويندسون بين المتبضعين ويستغلون كل ضيق ليزيدوه ضيقا حتى يمكنهم نشل الهواتف و”البزاطم” وكل ثمين على مرأى من جمهور الناس، حتى إن زبونا سبق أن فقد محفظة نقوده يستغرب كيف لا يخطر أو لا يريد الأمنيون هناك القيام بجولة في السوق في أوقات الذروة لاصطياد مصطادي الزبائن وهم متلبسون بالجرم المشهود الذي يسهل رصده.

 

وختاما وعلى غير العادة، يعتذر المحرر عن عدم إرفاق هذا المقال بأي صورة، فسكان القرية ألفوا المشاهد، وما على غيرهم إلا أن يغمض الواحد منهم عينهم متمثلا ما كتب أعلاه حتى تظهر له كل المشاهد جلية بعد فتحهما كما ظهر للمغاربة ذات يوم وجه محمد الخامس في القمر بعدما تمثلوه في أذهانهم.

شارك هذا المقال على منصتك المفضلة

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد