الأزمة المغربية-الموريتانية: هل ستتحول الكويرة إلى سبتة ومليلية جديدة؟

خريطة تبرز لكويرة بالأحمر في الحدود المغربية-الموريتانية/غوغل

 

المحرر _ القدس العربي

 

تمر العلاقات بين المغرب وموريتانيا بأزمة مفتوحة من عناوينها الجديدة هو الوضع الغامض لبلدة الكويرة التي يعتبرها المغرب جزءا من أراضيه، لكنه تسيطر عليها موريتانيا منذ مدة طويلة وانتقلت إلى رفع علمها عليها مؤخرا. وبدأت هذه البلدة تتحول إلى إشكال حقيقي مشابه لإشكال سبتة ومليلية المحتلتين في المخيال السياسي المغربي.

 

واعتادت الدولة المغربية ترديد شعار «من طنجة إلى الكويرة» تعبيرا منها عن مساحة الوحدة الوطنية وخاصة الممتدة على المحيط الأطلسي، لكن الرأي العام المغربي يتفاجئ في الوقت الراهن بغياب سلطة سياسية وإدارية مغربية في بلدة الكويرة وأنها تحت إدارة موريتانيا، وفجأة تحولت إلى مصدر لسوء تفهم كبير بين البلدين رغم أن وضعها الإداري والسياسي لم يتغير منذ عقود.

 

ولكويرة هي جزء من أقصى القسم الجنوبي من الصحراء، حيث عادت إلى موريتانيا عند اقتسام الصحراء بين المغرب وهذا البلد خلال التوقيع على اتفاقية مدريد في تشرين الثاني/نوفمبر 1975. ولاحقا، وقع المغرب وموريتانيا على اتفاقية حدود يوم 14 نيسان/أبريل 1976 حيث احتفظ المغرب بثلثي الصحراء المتنازع عليها وعاد الثلث إلى موريتانيا بما فيها منطقة الداخلة الشهيرة.

 

وستشهد موريتانيا صيف 1978 انقلابا عسكريا ضد الرئيس المختار ولد داداه، هذا الأخير كان قوميا وكانت له طموحات أكثر في الصحراء. لكن الانقلابيين الجدد بزعامة مصطفى ولد السالك وفي أجواء جيوسياسية جديدة منها صعوبة استمرار البلاد في حرب مفتوحة ضد البوليساريو وضغط قوي من الجزائر، سيتخلون عن الصحراء نهائيا وسينسحبون منها باستثناء منطقة الكويرة. وهذه الأخيرة تقع أقصى الصحراء المتنازع عليها وتطل على المحيط في شبه جزيرة جغرافيا، وتقع بجانب نواذيبو التي تطل على الخليج البحري، وتطل لكويرة على المحيط الأطلسي، ولا تفصل المسافة بينهما أكثر من 20 كلم.

 

 وانسحبت موريتانيا من الصحراء بعد اتفاقية التي وقعتها مع جبهة البوليساريو في الجزائر في بداية آب/أغسطس 1979. ومن ضمن بنود الاتفاقية اعتراف موريتانيا بتمثيلية البوليساريو “للشعب الصحراوي” والانسحاب من الصحراء نهائيا. وهذه الاتفاقية المعروفة بـ «اتفاقية الجزائر» لقيت تأييدا من طرف دولة كبرى وهي بريطانيا بينما التزمت الولايات المتحدة وفرنسا الصمت، ومالت اسبانيا وهي القوة الاستعمارية السابقة إلى تأييد هذه الاتفاقية من خلال زيارة رئيس الحكومة الإسبانية وقتها أدولفو سواريث إلى الجزائر وإعلانه تأييد تقرير مصير الصحراويين.

 

وكان السلطات الانقلابية في موريتانيا تعتقد بنوع من السداجة أنه بانسحابها ستمكّن البوليساريو من قرابة 90 ألف كلم لإقامة دولة وبالتالي نهاية حرب الصحراء وإرساء السلام. لكن هذا لم يحدث لأن مشكل الصحراء معقد للغاية.
فمن جهة، رفضت جبهة البوليساريو تقسيم الصحراء، ولقي الانسحاب الموريتاني معارضة قوية من المغرب الذي رفض بشكل قاطع اختلاق دولة جديدة في حدوده مع موريتانيا، وهو الذي يعتبر أن الصحراء بل موريتانيا هي جزء من أراضيه اقتطعها الاستعمار الفرنسي عند تفتيت المغرب خلال الاستعمار. وقام المغرب باستعادة الصحراء الجنوبية وضمها إلى الشمالية، وستصبح الصحراء المتنازع عليها بالكامل ضمن الخريطة المغربية، لكن مع استمرار النزاع حتى يومنا هذا. ولم يقدم الملك الراحل الحسن الثاني على تمركز وحدة عسكرية في الكويرة كنقطة حدود مع موريتانيا، وبالتالي بقيت تحت سلطة نواكشوط حتى يومنا هذا، وكانت تزورها ناذرا دوريات بحرية مغربية.

 

ولا يمكن فهم التاريخ الموريتاني منذ سنة 1975 والانقلابات التي شهدتها البلاد وسياستها الخارجية بمعزل عن السياق العام الناتج عن نزاع الصحراء وكيف أثّر على موريتانيا. وهكذا، فقد حافظت موريتانيا منذ سنة 1984 تاريخ الانقلاب العسكري الذي نفذه معاوية ولد الطايع الذي كانت تقف وراءه فرنسا، على سياسة حياد في نزاع الصحراء، فهي لم تسحب الاعتراف ب”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” التي أعلنتها جبهة البوليساريو، ولكن في الوقت ذاته، قللت من العلاقات مع هذه الجبهة، حيث رفضت فتح سفارة في نواكشوط أو تكليف سفير الجزائر في موريتانيا بتمثيل البلاد لدى قيادة البوليساريو في تندوف، حيث أن الدول التي تعترف بالدولة التي أعلنتها البوليساريو تكلف سفراءها في الجزائر بالتمثيلية لدى هذه الحركة.

 

وبقيت موريتانيا بعيدة عن نزاع الصحراء رغم أنها تعتبر طرفا استشاريا بالنسبة للأمم المتحدة، وفي كل زيارة للمنطقة يقوم بها الأمين العام للأمم المتحدة أو مبعوثه الشخصي في نزاع الصحراء تكون موريتانيا محطة رئيسية إلى جانب الجزائر واسبانيا علاوة على الطرفين الرئيسيين في النزاع المغرب والبوليساريو.

 

لكن ملف الصحراء عاد إلى أجندة السلطات الموريتانية ومعه ملف الكويرة بسبب الخلاف الناشب مع المغرب بعد وصول محمد ولد عبد العزيز إلى الحكم في نواكشوط ابتداء من سنة 2008. هذا الملف سيأخذ بعدا كبيرا ابتداء من السنة الماضية بسبب إقدام موريتانيا على رفع علمها في الكويرة، في إشارة إلى سيادتها السياسية على المنطقة.
وخلال نوفمبر الماضي، بحث وفد مغربي مكون من وزير الخارجية صلاح الدين مزوار ومدير المخابرات العسكرية ياسين المنصوري ومفتش القوات العسكرية الجنرال بوشعيب عروب إشكالية رفع موريتانيا للعمل في الكويرة مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز. وتسربت أخبار لاحقة بوقوع خلاف كبير خلال الاجتماع وانتهى بمزيد من تأزيم العلاقات الثنائية بدل انفراجها. وفي المقابل، يرفض محمد ولد عبد العزيز، ومنذ خمس سنوات، تعيين سفير في الرباط، كما رفع من مستوى العلاقات مع جبهة البوليساريو، في إشارة إلى تطبيق اتفاقية الجزائر سنة 1979.

 

وتقف عوامل متعددة وراء موقف موريتانيا الجديد من لكويرة والعلاقات مع المغرب:

في المقام الأول، تؤكد موريتانيا أن المغرب لم يسبق أن مارس سيادته على الكويرة وأن الاتفاقية الموقعة بين البلدين سنة 1976 تعترف للمغرب فقط بثلثي الصحراء، بل وجرى إلغاء الاتفاقية بعد اتفاقية البوليساريو وموريتانيا سنة 1979، حيث تعترف نواكشوط للبوليساريو بالسيادة على كامل الصحراء. وتقول موريتانيا أن الكويرة سيتم معالجتها بعد حل نزاع الصحراء والانتقال إلى الوضع النهائي.

 

في المقام الثاني، تسود وسط الطبقة السياسية والعسكرية الحاكمة في موريتانيا ومنذ مدة طويلة أن شبه جزيرة الكويرة تعتبر جزءا من الأمن القومي الموريتاني لأن في هذه المنطقة الجغرافية توجد نواذيبو التي تعد أهم ميناء موريتاني.
وتعاظمت هذه الرؤية مع قرار المغرب بناء ميناء في مدينة الداخلة غير بعيد عن نواذيبو لتحويله إلى محطة هامة للإقتصاد مع دول افريقيا الغربية مثل ساحل العاج وغامبيا والسنغال ضمن أخرى، وذلك في إطار سياسته للانفتاح على إفريقيا. وتعتبر موريتانيا ميناء الداخلة تهديدا لأمنها الاقتصادي.

 

في المقام الثالث، ينتمي رئيس موريتانيا وهو عسكري التكوين إلى التيار القومي سياسيا وعسكريا الذي يعتقد أن موريتانيا فرطت في الصحراء التي حصلت عليها في اتفاقية مدريد، وبالتالي لا يجب تفويت الكويرة إلى المغرب، وحتى مع الحل النهائي للصحراء، يستبعد إعادة لكويرة.

 

في المقام الرابع، ارتباطا بالنقطة السابقة، ترى القيادة الحالية في نواكشوط أن موريتانيا تفضل دولة في الصحراء تفصلها عن المغرب أو إقامة حكم مثل الفيدرالية أو الكونفدرالية يكون للصحراويين كلمة الفصل في التسيير أكثر من الرباط. ويفرض النظام الحالي على الإعلاميين عدم القول بأن الحدود الشمالية للبلاد هي مع المغرب، وهو مؤشر على هذا التوجه. فموريتانيا تجمعها علاقات سيئة بالسنيغال، وهذه الأخيرة تعتبر حليفة أبدية للمغرب، ولا ترغب موريتانيا أن تكون بين دولتين تعتبرهما مصدر الخطر على أمنها القومي، المغرب والسنيغال. وهذا التخوف هو الذي يجعل القيادة الحالية تعمل على التقليل من حضور المغرب السياسي والاقتصادي في موريتانيا. فالرئيس الحالي يراهن على تطوير علاقات نوعية مع واشنطن ومع اسبانيا ويطور علاقات مع دول الساحل كذلك، حيث جرى تأسيس دول اتحاد الساحل السنة الماضية وهي موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد علاوة على الانفتاح أكثر على البوليساريو والجزائر.

 

وهكذا، فالكويرة التي أصبحت منطقة مهجورة تكتسب طابعا استراتيجيا هاما لموريتانيا، كما تعتبر هامة للمغرب وخاصة للرأي العام المغربي من خلال الشعار الشهير «من طنجة إلى لكويرة» وفجأة يكتشف أن لكويرة تحت إدارة موريتانيا التي ترفض التخلي عنها.
وبدأت هذه البلدة الساحلية التي هي مهجورة اليوم بعدما كانت مزدهرة تجاريا حتى نهاية السبعينيات، تتحول تدريجيا في المخيال السياسي المغربي إلى سبتة ومليلية جديدة. ويعتبر المغاربة سبتة ومليلية أراض مغربية، لكن لا توجد سيادة مغربية عليهما منذ قرون بسبب التواجد الاسباني، والآن الكويرة التي يعتبرها مغربية توجد تحت سيطرة موريتانيا ولم يعد يصلها حتى بحرا. ويمكن للتواجد الموريتاني أن يستمر زمنا طويلا في ظل الشروط الحالية الشائكة لاسيما إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لنزاع الصحراء.

 

المقال من القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى