سيليا…اتقي الله في هذا الوطن

محمد الوزاني المحرر

 

من السهل على الإنسان أن يفهم ضعف إمكانيات البعض ومحدودية قدراتهم على الإبداع وابتكار الوسائل وان اختلفت الأهداف والغايات المنشودة من ورائها، لكن يبقى من الصعب، بل انه من الغريب أن نلمس ركاكة واجترارا لنفس الأساليب والتقنيات المنتهية الصلاحية، واللعب بنفس الأوراق المحروقة التي اعتُمِدَتْ من قبل فأثبتت محدوديتها بل وفشلها في مواجهة الحقائق والحجج الدامغة، خاصة إن كانت أهدافها خبيثة و لا تخدم إلا أجندات معينة، أصبح القاصي والداني يعلم مبتغاها، ويفقه ما تصبو إليه من تصفية للحسابات الضيقة، وخلق نقاشات عقيمة داخل المجتمع المغربي، وتوجيه الرأي العام والتأثير عليه لإشغاله عن أولويات الأمور ومواطن الخلل الحقيقية التي تعيق تقدم البلاد، من تفشي للفساد في الإدارات العمومية وغياب للوعي الجماعي والالتزام بروح المسؤولية و غياب “تقوى الله في هذا الوطن”.

 

وإذا كانت الشهور الأخيرة قد تميزت بمتغيرات ايجابية دفعت إلى إيجاد حلول جذرية لمشكل “حراك الريف” الذي عمَّرَ طويلا من أجل مطالب اجتماعية محلية، وأخرى سياسية وطنية، تًوِّجَتْ بخطاب ملكي “وضع الأصبع” على حقيقة الجرح، وأسس لمرحلة جديدة في التعامل مع مطالب المواطنين وربط المسؤولية بالمحاسبة، مزيلا الضباب عن مكامن الخلل الحقيقية ومحددا بشكل عام طبيعة المسؤوليات، إلا أن بعض الجهات المعلومة، والتي تكن عداءا متأصلا وحقدا دفينا لهذا الوطن ولمواطنيه، تأبى إلا أن تستمر في استراتيجياتها البالية للترويج لأكاذيب ونشر إشاعات، تهدف لذر الرماد في العيون وتوجيه أنظار عموم المواطنين للانسياق في طريق ضالة والانشغال عن كبريات الأمور وعن الجهات الحقيقية التي عشَّشَ فيها الفساد، وغابت عنها روح النزاهة والمسؤولية والالتزام، لتضيع في متاهات “احترام حقوق الإنسان” و”المس بالكرامة” و “المقاربة الأمنية” وغيرها من المفاهيم التي أصبحت توظف حسب الحاجة وتغيب عن مواضيعها المصداقية والحجج والمعطيات الدقيقة.

 

ولعل آخر هذه المواضيع المجترَّة، ما أسمته بعض المنابر الإعلامية ب”تعرض الناشطة الريفية سيليا للتصوير عارية على غرار الزفزافي”، وهي الورقة المحروقة نفسها التي استخدمت من قبل، لخلق ضجة من خلال الترويج لفكرة تعرض الزفزافي للتعذيب الجسدي والنفسي قبل نشر فيديو خاص به وُصِفَ بأنه حاط بالكرامة، والواقع أن أصل الحوار الذي أًجْرِيَ مع الناشطة سيليا، والتي استفادت من عفو ملكي قبل صدور أحكام في حقها بالنظر لظروفها الصحية، قد تم مع قناة أجنبية بدت فيها الأسئلة موجهة واستخدم فيها المذيع أسلوبا يشبه في كثير من جوانبه استنطاقا -اعتذر أثناءه المذيع عن الضغط على الناشطة- وهو الحوار الذي حاول فيه توجيه الإجابات أكثر منه الاستماع للناشطة نفسها، في حين استجابت سيليا لهذه الضغوطات بالقول أنها خضعت لنفس الإجراءات التي خضع لها الزفزافي، وأنها تعرضت لما أسمته “ضغوطات نفسية” قبل أن تستخدم مصطلحات أكثر حدة من قبيل “طعنوني في شرفي” ليستفسر الصحفي عن المقصود بهذه العبارة، فتجيبه ب”أنها تعرضت للعنف اللفظي فقط أثناء محاولة الاعتقال بالحسيمة”.

 

ويتضح من خلال الحوار الذي أجري مع الناشطة الريفية “سيليا” أنها استعملت عبارات “ضخمة” تعطي إيحاءات خطيرة بأنها تعرضت ل”الطعن في الشرف” في حين أنه كان من الواجب عليها تسمية الأمور بمسمياتها، وتبيان المعطيات كما وقعت، دون زيادة أو نقصان، ودون أن تخشى في ذلك لومة لائم، فقد نفهم أن وضعها كناشطة يجعلها محط انتقاد من طرف معظم مؤججي “الحراك” الذين يضغطون عليها بكافة الوسائل، وأنها تتفادى الوقوع في نفس الموقف الذي تعرضت له الناشطة ياسمينة الفارسي حين انتقدت “قيادات الحراك” وفضلت عدم الاستمرار فيه بعد أن لمست خروجه عن مساره، واستشفت توجيهه من طرف جهات خفية لا تبتغي مصلحة ساكنة الريف ولا غيرهم، فاتُّهِمَتْ ب”العاهرة والخائنة” وغيرها من الصفات، لكننا في نفس الوقت نستغرب لاستجابتها للمحاولات اليائسة والمتكررة لبعض الجهات التي تسعى للقضاء على أثر كل البوادر الطيبة، والتي تخلف اطمئنانا في نفوس المغاربة، خاصة منها العفو الملكي الذي استفادت منه الناشطة سيليا وتمتيعها بالحرية حتى قبل صدور حكم قضائي بشأنها، في التفاتة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها إنسانية قبل أن تكون قضائية، وقد راعت إلى حد كبير الحالة الصحية للناشطة واستجابت للطلبات المتكررة لهيئات الدفاع وهيئات حقوقية وفعاليات المجتمع المدني.

 

إن المحاولات المتكررة للقضاء على كل الأعمال الايجابية، وعرقلة كل بوادر الاستقرار إنما هي تأكيد على وجود جهات ظلامية، تعمل في الخفاء، وتسعى جاهدة لجر البلاد إلى الوراء أو على الأقل عرقلة مساره التنموي، من خلال إشغال مجتمعه ب”الخاويات” بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فارغات في المحتوى وفارغات في المضمون وفارغات في الحجج والأدلة والبراهين، ولن تتوقف هذه الجهات عن ترويج الأكاذيب ونشر الفتن حتى ترى البلد دمارا وأرضا محروقة، ولن تستريح حتى تدق آخر مسمار في نعش مساره التنموي، لكن مهمتها تظل صعبة إن لم نقل مستحيلة، بسبب وجود أخيار في البلاد ومواطنين غيورين وأوفياء ينطبق عليهم قول أحد الحكماء الذي سًئِلَ مَرّةً عن سبب خروجه للعمل في اليوم الموالي لإصابته بطلق ناري، فأجاب بكل بساطة “إن من يريدون سوءا لهذا العالم لا يرتاحون يوما، فكيف تريدنا أن نرتاح ونحن من نريد به خيرا؟؟؟ !!!”

زر الذهاب إلى الأعلى