خطاب العرش..صرخة ملك “براكا”

المحرر ـ متابعة

خطاب الليلة الذي وجهه جلالة الملك بمناسبة الذكرى الثامنة عشر لتربعه على عرش أسلافه المنعمين، كان بحق خطاب  الوضوح والصراحة، متفاعلا إلى حد التمازج والإنصهار، مع ما يشعر به ويحسه اي مغربي، كما يعتبر كذلك خطاب الواقعية، إذ أنه وضع النقط على الحروف وسمى الاشياء بمسمياتها ، وشخص بكل جرأة ومصداقية الواقع الحزبي والسياسي و تدبير الشأن  المحلي والوطني، تشخيصا واقعيا، واضعا الاصبع على مكمن الخلل، عسى أن يعتبر يتحملون مسؤولية تدبير وتسيير هذا القطاعات.

لقد جاء خطاب العرش لهذه السنة، في سياق وطني خاص ، مطبوع بالعديد من الانتظارات ، على خلفية المطالب الاجتماعية لساكنة منطقة الحسيمة، بيحث لم يخيب التطلعات، لا من حيث المواضيع التي تطرق اليها، ولا من ناحية قوة مضمونه، وأسلوبه المباشر، الذي قد يوحي للبعض بالتشاؤم وبخيبة الأمل، أو حتى فقدانه ، لكونه صادر عن ملك البلاد.

ولكن جلالة الملك يوضح بأننا نعرف من نحن،، وإلى أين نسير، ونتوفر على المنظور البعيد المدى،وعلى الإرادة القوية والصادقة، والتلاحم الوثيق بين الملك والشعب، كل هذه الخصائص ، إستطاع المغرب تجاوز الصعاب ، ورفع شتى التحديات التي واجهته عبر تاريخه العريق.

لقد باح جلالة الملك في هذا الخطاب بكل ما في صدره،من إنشغالات، ومن آمال وتطلعات، من خلال إعتماد منظور استراتيجي شامل، في تحليل واقع الحال.

فقد أثار جلالة الملك ما يسكت عنه العديد من المسؤولين، لماذا يعيش المغرب على وقع مفارقات يصعب فهمها او القبول بها.

ففي الوقت الذي يحظى فيه المغرب بالثقة والمصداقية  على الصعيد الجهوي والدولي، ويجلب أكبر الشركات العالمية للإستثمار، فان الواقع والأرقام تصدم المغاربة قبل غيرهم، كلما تعلق الأمر بالقطاعات الإجتماعية، حتى أصباح من المخجل أن يقال بأن ذلك يقع في مغرب اليوم .

إذ لا يعقل ألا يساهم التقدم الملموس الذي تحقق في العديد من المجالات، كالفلاحة والصناعة، والطاقات المتجددة وغيرها، في تحسين المعيش اليومي للمواطن.

وأمام هذا الوضع  يقف جلالة الملك بكل صراحة على بعض المشاكل التي يعاني منها المواطن المغربي، ومنها الإدارة،والمجالس المنتخبة،والاحزاب السياسية، وغيرها.

وهكذا فقد وقف جلالة الملك على العوائق التي تعانيها منها الإدارة العمومية،بكل مسؤوليها ومستواياتها،مقارنة بالقطاع الخاص، سواء من حيث ضعف الحكامة والنجاعة، او من حيث مستوى جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنينن مستغربا ضعف الكفاءة وروح المسؤولية لدى موظفي القطاع العام، الذين يوثرون الحصول على راتب شهري، على قلته، بدل الجد والاجتهاد كوسيلة للارتقاء الاجتماعي.

وفي هذا الاطار، قدم جلالة الملك المراكز الجهوية للاستثمار كنموذج لهذا الفشل الإداري، فعوض ان تجد الحلول لتحفيز الاستثمار، فهي تشكل مشكلة وعائقا أمامه.

وهنا يلقي جلالة الملك الضوء على مكمن الداء ، فالمسؤولون والاداريونن، لا يستطيعون مواكبة التطور السياسي والتنموي للمغرب، ولا ينعكس ذلك على تعاملهم مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة، فالمغرب يعاني ، وبشكل كبير من العقليات التي لا تريد أن تتغير،ومن القدرة على التنفيذ والابداع التي لم تتطور.

بل أكثر من ذلك يضيف جلالة الملك، فعندما تكون النتائج ايجابية يتهافتون على وسائل الإعلام، لتحقيق المكاسب السياسية والشخصية من وراء ذلك، وعندما لا تسير الامور كما ينبغي، يختبئون وراء القصر الملكي، وكأنه هو المسؤول الوحيد عن هذه البلاد.

والواجب ، يضيف جلالة الملك، يقتضي أن يتلقى المواطنون أجوبة مقنعة، وفي آجال معقولة، عن تساؤلاتهم وشكاياتهم، مع ضرورة شرح الاسباب وتبرير القرارات.

وهو ما يدفع المواطنين للتساؤل، ولهم الحق في ذلك، إدا كان من الواجب أن يلجؤوا الى ملكهم وطلب مساعدته في حل مشاكلهم وانصافهم وقضاء أعراضهم، فما الجدوى من وجود المؤسسات،وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء،وغيرهم من المسؤولين، اذا كانوا هم في واد والشعب وهمومه في واد آخر؟

وهنا يرجع جلالة الملك الى جوهر الاشكالية السياسية بالمغرب، اي عزوف المغاربة عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات ..ولمن كان يتساءل ويبحث عن جواب،فجلالة الملك لا يتردد في قولها جهرا: عدد من المواطنين لا يثقون في الطبقة السياسة، لان بعض السياسيين افسدوا السياسة وانحرفوا عن جوهرها النبيل.

كما ان تصرفات عدد من المسؤولين الاداريين والمنتخبين، على حد سواء، هي التي تزكي الفكرة السائدة لدى عموم المغاربة، بأن التسابق على المناصب هو بغرض الاستفادة من الريع واستغلال السلطة والنفوذ، وهو ما تؤكده ، بعض الامثلة الحية على ارض الواقع، الا ان ذلك والحمد لله لا ينطبق على جميع المسؤولين.

ولا يقف جلالة الملك عند هذا الحد، ولانه مغربي كجميع المغاربة،يحص بما يحسون، ويضره ما يضؤهم، فقد انضم اليهم في هذا الموقف، انه كملك للمغرب غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في العديد من السياسيين..متسائلا بعد هذا الاعتراف الصريح: فماذا بقي للشعب؟

وهنا يصرخ جلالة الملك صادقا في وجه المسؤولين : كفى ..ولأن هذه الكلمة لا تشفي غليله رغم حمولتها القوية فقد اضاف عليها مفرداتها بالدارجة المغربية،”باراكا”..حتى يصل صداها الى كل المغاربة بدون استثناء ويضيف لها الشرط : اما ان تقوموا بمهامكم كاملة، وأما ان تنسجبوا.

وهنا الامر ليس للاختيار ، وانما للحسم لان جلالة الملك يزن كلامه ، ويعرف ماذا يقضد، فلا يمكن ان تبقى الامور على هذا المنوال،لان جلالة الملك يعرف بأن المغرب نساؤه ورجاله الصادقون، الذين تحركهم روح الوطنية وحس المسؤولية..ولا يريدون الا خدمة وطنهم ومواطنيهم.

ولكي يوضح الامور ، وان كانت لا تحتاج اي توضيح ، يتساءل جلالة الملك: ما معنى  المسؤولية اذا غاب عن صاحبها ابشط شروطها، وهو الانصات لاشغالات المواطنين.

ولأن مسؤولية وشرف خدمة المواطنين تبدأ من الاستجابة لحاجياته البسيطة، الى إنجاز المشاريع كيفما كان حجمهت، مذكرا جلالته بمنظوره الحكيم الذي لا يفرق بين مشاريع كبيرة وصغيرة، انما بمدى أهميتها بالنسبة للسكان، مستدلا بمثال حفر بئر،و بناء سد،واهمية كل منهما بالنسبة للموطن.

ولان جلالة الملك تربى على خدمة ابناء شعبه، فهو لا يستطيع ان يتضور كيف يمكن  لمسؤول ان يخرج من بيته، ويقابل الناس، وهو يعرف انهم يعرفون بأن ليس له ضمير ، متسائلا باستغراب : الا يخجل هؤلاء من أنفسهم، رغم انهم يؤدون القسم امام الله والملك والوطن.

ثم يخرج جلالة الملك بالخلاصة المنطقية وهي محاسبة او اقالة اي مسؤول ثبت في حقه اي تقصير او اخلال في النهوض بمهامه،مشددا على ضرورة تطبيق احكام الدستور،وولا سيما ما يتعلق منها بربط المسؤولية بالمحاسبة،لأن القانون كما يطبق على جميع المغاربة،يجب ان يطبق  اولا على كل المسؤولين دون استثناء او تميز،لانه لا فرق بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنةن ولا مجال للتهرب من المسؤولية او الافلات من العقاب..

ولانه ينطلق من منظور شامل ، فقد ااااااالح جلالة الملك على ضرورة التفعيل السليم للدستور، مبرزا ان الامر يتعلق بمسؤولية جماعية تهم كل الفاعلين المعنيين.

كما يؤكد جلالة الملك أن النظام السياسي المغربي، يعد من بين الانظمة المتقدم،الا انه يعاني من مشكل التطبيق، وأن جلالته يحرص  كل الحرص على احترام اختصاصات  المؤسسات وفصل السلط.

وفي هذا الصدد يشدد جلالة الملك ، انه لن يقبل بأي تراجع عن المكاسب الديمقراطية،ولن  يسمح بأي عرقلة لعمل المؤسسات، مؤكدا ان الدستور والقانون واضحان، والاختصاصات لا تحتاج الى تأويل.

وهو رد صريح على الذين يلوحون بوجود تراجع عن المكاسب الديمقراطية والتفاف على الدستور الجديد، غير ان كل هذه الادعاءات  لا اساس لها من الصحة والعيب يوجد في المؤسسات والمسؤولين الذين لا يمارسون اختصاصاتهم،و يختبئون وراء منهم من القيام بعملهم، والواقع انهم عاجزون عن القيام بها والا فمن الذي يمنعهم من تقديم استقالاتهم..

فالواقع اثبت بأن عددا من المسؤولين لا يقومون بواجبهم،ويتركون قضايا المواطنين عرضة للضياع،وهو ما يجعل جلالة الملك يتحمل مسؤولياته الدستورية لصيانة مصالح الناس.

المغرب، يختتم جلالة الملك ، يجب ان يبقى فوق الجميع،فوق الاحزاب،والانتخابات،وفوق المناصب الإدارية.

زر الذهاب إلى الأعلى