قراءة في كتاب “الرحلة البوزيدية إلى الديار الحجازية لأداء المناسك الحجية”

المحرر ـ  الدكتور يوسف الحزيمري

(الرحلة البوزيدية إلى الديار الحجية لأداء المناسك الحجية) هو كتاب من الحجم المتوسط (24×17)، في مائة وإحدى وتسعين 191 صفحة، لمؤلفه الأستاذ “محمد البوزيدي”، صادر عن جمعية الشعلة للتربية والثقافة فرع بوجدور، ومركز المستقبل للثقافة والتنمية ببوجدور، طبعة أولى عن دار القلم لسنة 2016م، قدم له الدكتور “سعيد كريمي” أستاذ التعليم العالي الكلية المتعددة التخصصات الرشيدية، وغلافه مصمم من قبل “رشيد بلفقير”.

 الدافع إلى التدوين:

لقد كان للمؤلف قصد قبلي ونية مبيتة لتدوين رحلته الحجازية، وهذا الأمر نلمسه في توثيقه لكثير من الجزئيات التي قد تغيب عن الكثير، فقد دونها بحرص وصدق لحظة بلحظة معتمدا على كل ما يقع بين يديه من وثائق كيفما كانت بداية بتذكرة الطائرة.

وقد صرح بدافعه لتدوين رحلته في موضعين:

 الأول: عند حديثه عن معاناة الحجاج حيث يقول: “أما كاتب هذه السطور فالتزم بإصدار كتاب حول ما جرى هنا وها أنا أوفي بالعهد”.

 والثاني: عند حديثه عن معايشة لحظات الرحلة حيث يقول:” أعترف طوال هذه المدة أنني حاولت أن أعيش اللحظة بامتياز أوثق يومياتي في أفق إصدار كتاب حول الرحلة”.

فمن خلال هذين الموضعين نستشف أن المؤلف له إطلاع على أدب الرحلات وخصوصا الحجازية منها، وهذا الاطلاع هيأ له فكرة التوثيق والتدوين، وكأنه أراد إحياء جنس “أدب الرحلات الحجازية” وتحيينه وتحديثه بالنظر إلى أن تاريخ رحلته كان بداية من 10 أكتوبر 2012م، وهذا الجنس أبدع فيه المغاربة أيما إبداع، “وقد تيسّر لكثير من علمائنا رحمهم الله الرحلة إلى البقاع المباركة، والقيام بالفريضة، وقد دوّن كثير منهم أخبار رحلته الحجازية في مصنفات خاصة، ومن أشهر ما وصل إلينا منها: رحلة ابن جُبَيْر الكناني الأندلسي (ت614هـ)، ورحلة الحافظ أبي عبد الله ابن ٍرُشيد الفهري السبتي (ت721هـ)، الموسومة بـ ((ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكّة وطيبة))، وهي من أوسع الرحلات وأكثرها فائدة، ورحلة أبي عبد الله العبدري الحيحي (ت. بعد 720هـ)، ورحلة العلامة ابن بطوطة الطنجي(ت779هـ)، ورحلة أبي سالم العياشي(ت1090هـ)، ورحلة أبي العباس ابن ناصر الدرعي(ت1128هـ)، ورحلة أبي عبد الله الحضيكي(ت 1189هـ)، ورحلة محمد بن عبد السلام الناصري(ت1239هـ)، وغيرها كثير.

  ولما كان المقصد الرئيس لهذه الرحلات هو حجّ بيت الله الحرام، فقد جرت العادة على وصفها وتسميتها بالرحلات الحجية، أو الرحلات الحجازية، تغليباً لذلك القصد، وإلا فهي تسجيل شامل لرحلة العالم في طريقه إلى المشاعر المكرمة ذهاباً وإياباً، مرحلة مرحلة، وقد اختلفت اهتمامات العلماء فيما سجلوه، وربما تشابهت، كما تنوع أسلوبهم في التدوين وطريقة العرض، بحسب ميولات كل واحد منهم. ومهما يكن من ذلك، فإن لكتب الرحلات أهمية بالغة؛ لما تنطوي عليه من فوائد علمية غزيرة، لا يستغني عنها طلبة العلم؛ ففيها من الأحكام الفقهية، والمباحث الأصولية، والعلوم الأدبية واللغوية، والأخبار التاريخية والجغرافية، ما لا يكاد يوجد أو يجتمع في غيرها.([1])

 

المنهج المتبع في تدوين الرحلة:

اختار المؤلف في رحلته منهجا شكليا لتدوين رحلته وهو: “رسائل إخبارية إلى الجميع عامة وإلى الوالد خاصة”، وقد صرح به في مقدمة الرحلة، وجاء بعد تفكير عميق وحيرة، هُدي فيها إلى الصواب قائلا: “احترت في الطريقة التي سأحكي بها وأروي بها تجربتي، هل ستكون عبر  يوميات؟ أم تكون سردا متواصلا مما قد يصيب القارئ بالملل؟ وأخيرا وبعد تفكير عميق، اهتديت بتوفيق الله عز وجل أن أكتبها على شكل رسائل إخبارية إلى الجميع عامة وإلى الولد خاصة الذي لم يتمكن من أداء الفريضة رغم مشاركته في القرعة لسنوات مضت” (ص:10-11). انظر علاقة هذه العبارة بالإهداء (الجد حاج، والأب شارك في القرعة لسنوات، والإبن وفق لأداء مناسك الحج..) وهذا ملمح له علاقة بالدافع إلى التوثيق.

وبالتالي اشتملت الرحلة بعد التقديم والمقدمة على  إحدى وأربعين رسالة يصدرها بعبارة “عزيزي”

المصادر المعتمدة في الوصف:

اعتمد المؤلف في تدوين رحلته الحجازية على مصادر متنوعة أهمها وعلى رأسها:

  • المشاهدة الحية والمباشرة: وهي المصدر الأهم في الرحلة ومصرح به فيها: بقوله: أنقل بصدق ما رأيته موثقا كل اللحظات ومعرفا بالأماكن التي مررنا منها.
  • موسوعة ويكيبديا: وقد اعتمدها وعول عليها في التعريف بمدن الحجاز، مدينة جدة، ومكة المكرمة، ووصف الكعبة، والحجر الأسود، ومقام إبراهيم، وبئر زمزم، والصفا والمروة،…وجميع المشاعر… ومن خلال نقله عن ويكيبديا نقف على مصادر مثل تفسير ابن كثير وفتاوى الشيخ ابن عثيمين وصحيح البخاري، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، وصحيح مسلم بشرح النووي وكتاب خزائن الكتب العربية

وننظر سريعا إلى ما وثقه المؤلف في رحلته لنقف على حرصه على أن لا تضيع منه شاردة ولا واردة: فقد وثق: عدد حجيج بوجدور، عدد حجيج الطائرة، إسم قائد الطائرة وسرعتها، مناظر المدن التي مر منها، إسم المطوف، أسماء أبواب المسجد الحرام، أسماء المساجد التي زارها، أسماء الشوارع التي مر منها، وأسماء الفنادق، إعلانات الوزارة، إعلانات المطوف، الكتب الدعوية الموزعة، رسائل الجوال خدمة النور الإسلامي، نصائح السلامة، رسائل الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، اللافتات على الطرق، مقتنيات المغاربة في موسم الحج، إعلان نجاح موسم الحج لسنة 2012م نقلا عن جريدة الشرق الأوسط…،  وصف المكتبات التي زارها والحديث عنها من خلال كتاب خزائن الكتب العربية.

والحق يقال أنه كان يعيش لحظة بلحظة، ودخل بطن التوثيق وخرج لنا بهذه الرحلة الحديثة والمميزة.

 الخلاصات:

حاولت من خلال قراءة هذه الرحلة أن أسجل خلاصات للمؤلف كانت نتاج تجربته الخاصة في أداء مناسك الحج، وقد باح بها في مواضع مختلفة من الرحلة عبر رسائله الإخبارية إلى والده.

وإليكم هذه الخلاصات:

  • ” إن الإنسان يجب أن يؤدي المناسك وهو في كامل قواه الجسدية والعقلية والصحية” (ص:111).
  • ” من أراد البوزيدي فليتصل به… هذا قانون الحج الحقيقي” (ص:114).
  • على الحاج أن يكون مستعدا لجميع الاحتمالات (الموت، التيه أو الفقد، الازدحام، المرض، السرقة…الخ) وكل هذا الاحتمالات مدونة في الرحلة وقد حدث له بعضها كالمرض، والازدحام…..، وقد نقل لنا مشاهد الصلاة على الجنازة بالحرم المكي.
  • “الأيام تواصل هرولتها، وأنا أحاول الاستمتاع بكل لحظة من هذه الفرصة من عمري” (ص:156).
  • هذه هي الحياة فكيف نواجه تحديات لحظات حساسة ومصيرية وقد لا تكرر مرة أخرى (ص:123).
  • كأن المؤلف كان على يقين بعدم العودة وتكرار الزيارة لكن مع ذلك يمني النفس بها حيث يقول:” مكة أغادرك وفي قلبي أمنية الرجوع إلى أحضانك…. مكة أغادرك وفي النفس شيء من حتى”(ص:124).
  • والخلاصة الختامية هي قوله : “ما الجدوى فعلا من الحياة إن لم تكن مقترنة بعبادة الله الواحد القهار”

خلاصتي الخاصة:

 بعد قراءتي لهذه الرحلة، منيت نفسي إلى زيارة البقاع المقدسة، ونرجو الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من حجيج بيته وأن نحل ضيوفا عليه، ونما فيَّ شوق لأداء مناسك الحج، ويقال: الشوق أول خطوة على طريق الحج، قال تعالى في دعاء إبراهيم عليه السلام: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37].

أتمنى أن أكون قد وفيت في قراءتي المتواضعة لهذه الرحلة البوزيدية،  والحمد لله رب العالمين

([1])  من ملخص كتاب: الرِّحلةُ الفاسِيَّة الممزوجةُ بالمناسكِ المالكية. المؤلف: محمد الطيب بن أبي بكر بن الشيخ الطيب بنكيران(ت1314هـ. تقديم وتحقيق: د. سليمان القرشي، منشورات مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء-الرباط، سلسلة كتب التراجم والفهارس والبرامج والرحلات(6)، الطبعة الأولى: 1435هـ/2014م

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى