ثورة الابتسامة…

قال لي: “أنتَ قاربت الستين من عمرك، وورائك مسيرة عمر من النضال، وكل مرة تقول أنك تلميذ الحراك وتتعلم منه؟ بالله عليك أفصحْ يا هذا، إني حيران… ماذا تعلمت؟؟”

قلتُ: “أتدري يا صديقي أنني تعلمت أقصى درجات الوعي مع الشباب والشابات والأهل… إنهم ينحتون على الصخر مواطنة من نوع جديد… أتدري ما معناه:

أن يتم اعتقالُك وتبتسم

أن يتم اختطافُك فتبتسم 

أن يتم استدعائُك للمخفر وتبتسم

أن يتم ضربُك وتبتسم

أن يستجوبُونك و ترد “بيك يا ولدي” وتبتسم 

أن تصدر في حقِّك عقوبات قاسية وتبتسم 

أن يرفُضوا البحث عن غريق وتبتسم 

أن يموت الأب ب”الفقصة” وتبتسم 

أن يُقال لك “أوباش” وتبتسم

أن يُقال لك “ولاد السبنيول” وتبتسم  

أن يُقال لك انفصالي وتبتسم 

أن يُقال لك “تمويل أجنبي” وتبتسم

أن تَعرف أنك قد تموت في الحراك فتبتسم

أن تَعرف أنا أخا وأختا قد يُصيبهم مكروها فتبتسم 

نعم تبتسم في وجه رجل الأمن 

نعم تبتسم في وجه رجل القضاء 

نعم تبتسم في وجه رجل السياسة (“ما عندي بو الوقت دابا”)

نعم تبتسم في وجه رجل الإعلام 

نعم تبتسم في وجه الدولة 

لسبب بسيط، كونُك قررت تغيير نفسك وتغيير الآخر

لسبب بسيط، كونُك قررت إعطاء دروس في الوطنية لك وله

لسبب بسيط، كونُك لا تبحث عن الغلبة لكي لا تصبح مثله 

لسبب بسيط، كونُك تريد وطنا يحتضن الجميع 

لسبب بسيط، كونُك تدري أن العنف لا يولد إلا العنف

لسبب بسيط، كونُك تدري أن الكراهية لا تولد إلا الكراهية 

أنتَ تريد وطنا خال من العنف والخوف والكراهية 

أنتَ تريد وطن المحبة والأخوة والعمل والفلاح 

لتحقيق كل هذا كان وعيكم يا شباب وشابات الحراك ثاقب، يختصر البرنامج في الكلمة السحرية: “السلمية”، مهما، أقول مهما، وقع من آلام وفراق وحزن وغضب…

انظروا النتيجة : تسعة أشهر والحراك في الحسيمة والريف والمغرب مستمر لأنه اختار السلمية…

السلمية منهاج وبرنامج وفلسفة وعقيدة، تتطلب وعيا ثاقبا، للتشبث بطريقها… لأن الأسهل هو أخذ الحجارة، هو مواجهة الأمن، هو تفريغ الحقد والحزن في الآخر… الأصعب هو مد “خدك الأيمن إذا ضربوك في الخد الأيسر”، وأنت تبتسم وتنظر بعينيك في عيني من يضربك… هذا ما تعلَّمته من الحراك وشباب وشابات الحراك…

هو امتحان صعب للنفس لأننا في مجتمع تعوَّد الرد الصفعة صفعتين وخاصة بالريف…

ولكي تأتي السلمية من الريف فهو انتصار على الذات وعلى الآخر… هو بداية مواطنة جديدة ومغرب حر جديد…

هذا تعلمته واقتنعتُ به بعد مخاض داخلي كبير، واليوم أصبحتُ أكبر المدافعين عن منهج السلمية والثبات…

إن استطاع الشباب والشابات الاستمرار في سلميتهم فسيأتي الناس من كل فج عميق ليعززوا صفوفهم…

أما أنا فأخذت دروسهم بجد وأصبحت أبتسم في وجه من يريد بي سوءا… وأشرح وأشارك وأكتب لكي يفهم كل مخالف للحراك أنه في الطريق الخاطئ وأنه لا محالة عليه الانضمام إلى صف السلمية في معالجة كل الخلافات والصراعات والنزاعات…

نعم وألف نعم: “سلمية، سلمية… لا حجرة، لا جنوية”… سلمية، سلمية… رغم الحزن والغضب من اليوم الأسود، يوم عيد الفطر، يوما دخل تاريخ انتهاك أبسط حقوق الإنسان بالحسيمة والريف والمغرب من بابه الواسع… يوم حزين في كل الوطن… و به وجب التذكير.

زر الذهاب إلى الأعلى