قراءة لوقائع القمة العربية الإفريقية الأخيرة

عرفت القمة العربية الإفريقية الرابعة وقائع مثيرة على خلفية محاولة الجزائر وزبانيتها مرة أخرى إقحام مرتزقة البوليساريو وفرض الأمر الواقع وهذه المرة في أشغال القمة التي تجمع الدول العربية بنظيراتها الإفريقية المنعقدة في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية.
ففي حين أن الدول الخليجية تكلمت بصوت واحد وأبدت كعادته دعمها المطلق للمغرب نجد أن موقف بعض الدول العربية الأخرى كان متخادلا ومخيبا للآمال عبر الانحياز المطلق لأطروحة الانفصال التي تروجها الجزائر في تجاهل تام للحقوق المشروعة للمغرب وفي تعارض صارخ مع المواثيق الدولية وضربا بعرض الحائط القوانين والتنظيمات البروتوكولية الإقليمية والدولية.
ويبقى كذلك أن اختيار المكان والزمان لم يكن اعتباطيا للقيام بمثل هذه العمل الذي يأتي كردة فعل على الامتداد الجيوستراتيجي الكاسح للمغرب في عمقه الإفريقي وما يتلو ذلك من دعم واعتراف بدور المغرب الريادي على الصعيد القاري وتحجيم لمناوات واستفزازات الخصوم.
لكن رغم ذلك وأيا كان الهدف المتوخى من هذه المؤامرة وأيا كان من دبرها، فإن هذه الواقعة تعتبر أول محك حقيقي للمغرب لما سيقبل عليه من مناورات داخل الاتحاد الإفريقي.
فما هي إذن الخلاصات التي يمكن استنتاجها من هذه الواقعة:

1- يمكن اعتبار هذه الأزمة بين الدول الإفريقية الداعمة للبوليسايو والدول العربية التي تدعم المغرب محك حقيقي للمغرب لأنها مكنت من جس نبض مواقف الدول الأعضاء داخل الإتحاد الإفريقي ومن استقراء ردود الأفعال المرتقبة تجاه الطلب الذي سوف يقدمه المغرب بخصوص طرد البوليساريو من الاتحاد. كما أن هذه الأزمة تعطي لمحة مختصرة عن ما ستؤول إليه الأمور وما ينتظر المغرب لاحقا داخل دهاليز الاتحاد الإفريقي.

2- هي رسالة قوية من المغرب للجزائر وللدول التي تدور في فلكها قصد إشعارها على أن الصحراء جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية وأن استمرارها في مثل هذا النهج والإصرار على مثل هذه السلوكات أصبح غير مجدي بل أنه أصبح يشكل حجر عثرة في وجه المصالح الإفريقية ويعمل على إضعاف فرص التنمية في إفريقيا ويعرض مصالح القارة للضرر ويعيق مسيرة التنمية فيها.
وهي أيضا ضربة موجعة للجزائر ستعمل على خلط أوراقها، فرغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها الجزائر والتي على وشك أن تعصف بها فهي لا تكف وﻻ تمل من مناوراتها الدنيئة من أجل معاكسة المصالح العليا للمغرب.

3- هذه الأزمة هي أيضا بمثابة إعلان واضح للمغرب من عواقب إقحام البوليساريو في الاجتماعات المصيرية للقارة الإفريقية لمحاولة نسف هذه الاجتماعات مما سيعمل على تقويض وإضعاف إرادة الدول الإفريقية الأخرى الرافضة لمثل هذه السلوكات والداعمة لحق المغرب المشروع في وحدة أراضيه. لهذا فالدول الإفريقية المغرر بها هي الآن مطالبة بمراجعة شاملة لمواقفها وإعادة التفكير في سياساتها ليس فقط تجاه المغرب ولكن تجاه أيضا البلدان الإفريقية الأخرى لأنها تقوض مصيرها وحقها في التنمية ولأن موقفها أصبح يخل بمصالح هذه الدول ويعرقل مسار التطور الاقتصادي والتنمية المستدامة في القارة الإفريقية.

4- كما تبرز هذه الأزمة مدى الشرخ الحاصل في الموقف العربي من القضية المغربية العادلة ويعبر كذلك عن الموقف المخزي والمتواطئ لبعض الدول العربية التي تنهج سياسة “ازدواجية الخطاب والأفعال” وذلك في ظل عدم وضوح مواقف بعض الدول العربية وفي مقدمتها الدول المحسوبة على المغرب العربي: كالجزائر، مصر، تونس وموريتانيا خاصة وأن التحالف المغربي الخليحي أصبح يشكل عائقا أمام أطماع هذه الدول ويعمل على إرباك مخططاتها. لدى فإن تمادي هذه الدول في نهج مثل هذه السياسة سيكون له تداعيات سلبية على مستقبل العلاقات وعلى حجم التعاون الاقتصادي والتجاري معها ومن شأنه أن يدفع المغرب إلى التفكير في مراجعة سياساته تجاهها لحماية مصالحه القومية. كما أن هذا الموقف يدعو المغرب إلى ضرورة حشد التأييد داخل جامعة الدول العربية بغية خلق درع عربي موحد وترتيب الأوراق من أجل بلورة وتطوير أساليب العمل العربي المشترك الداعم للقضية المغربية.

5- هذه الأزمة هي كذلك رسالة مباشرة موجهة للدول الإفريقية الداعمة للجزائر والبوليساريو مفادها أن الاصطفاف إلى جانب المغرب هو بمثابة اعتراف بالشرعية الدولية وهو كذلك خيار استراتيجي يخدم مصالحها. وهي كذلك رسالة تحديرية لمن يهمه الأمر مفادها أن أي شراكة وتقارب وعمل مشترك يجمع الدول الخليجية بنظيراتها الإفريقية يجب أن يمر عبر الاعتراف بمشروعية المطالب المغربية ويدعو الدول الإفريقية إلى مراجعة حساباتها إن هي أرادت أن لا تلقى القمم العربية-الإفريقية المقبلة نفس المصير الذي لقيته النسخة الحالية، على اعتبار أن أية محاولة أخرى لإقحام البوليساريو تعتبر خطا أحمر لا يمكن التساهل معه في قادم الأيام وتعد مساسا بالمصلحة القومية للمغرب.

6- مكنت هذه الأزمة كذلك من بروز اصطدام وتجادب قوي بين منظومتين دوليتين
وهما: جامعة الدول العربية التي تدعم الموقف المغربي والاتحاد الإفريقي الداعم للأطروحة الانفصالية رغم أن هذا الأخير أصبح يبدي بعض اللين في الآونة الأخيرة تجاه المغرب بفضل المكاسب الجيوستراتيجية المهمة التي تحققها الجولات الملكية بين البلدان الإفريقية وما تتيحه من حشد للمواقف الداعمة للوحدة الترابية للمغرب.

7- كما أن هذا الانسحاب يقدم رسالة واضحة وقوية للاتحاد الإفريقي ويبين السقف السياسي الذي يطرحه المغرب والذي لا محيد عنه ولا تنازل بشأنه: وهو طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، مما سيجعل هذا الأخير أمام خيارين اثنين: 1) إما التسليم بالشروط المغربية والاعتراف بوحدة المغرب وبسيادته على كامل أراضيه وعلى هذا الأساس سيتم التوافق على السبل القانونية والإدارية الكفيلة بتحقيق هذا الإجراء أي سحب عضوية البوليساريو وإسقاط صفة الدولة عنها وإن كان هذا الإجراء لا يحتاج إلى سند قانوني على اعتبار أن البوليساريو مجرد تنظيم، 2) أو على العكس تقويض مصالح القارة الإفريقية وحقها في تحقيق التنمية الاقتصادية وإرساء إقلاع إفريقي مشترك ومستدام والزج بها في متاهات الانقسام والتشردم والعمل على زرع المزيد من التفكك والتمزق بينها. خاصة وأن تمسك الاتحاد الإفريقي بالبوليساربو باعتباره دولة قائمة بذاتها ومعاملته على قدم المساواة مع الدول السيادية الأخرى يضع سمعة الاتحاد على المحك في الوقت الذي يسعى فيه هذا الأخير إلى الاضطلاع بدوره القيادي سواء على الصعيدين الإقليمي أو الدولي كما أنه يضعف إمكانية توحيد صوت إفريقيا من أجل الدفاع عن مصالحها بشكل أفضل.

8- يبرز هذا الانسحاب أيضا بشكل واضح صراع موازين القوى في المنطقة والذي عادة ما تكون فيه الغلبة للدول القوية والوازنة. فالمغرب الذي بدأ يفرض إسمه كدولة صاعدة وكقوة إقليمية لها وزنها في القارة الإفريقية ولها مكانتها على الصعيد الدولي يسعى إلى استرجاع دوره ومكانته الريادية في إفريقيا. لدى فقد حان الوقت للدول الإفريقية الداعمة للجزائر والتي تخوض معركة ضد الفقر والهشاشة أن تساير المتغيرات الجيوستراتيجية وأن تدرك أن العلاقات المشتركة بين الدول لا تعترف بالصداقات الدائمة بقدر ما تؤمن بالمصالح الثابثة للبلدان، وعليها أن تدرك أيضا أن من مصلحتها أن تقوم بمراجعة مواقفها لأن إفريقيا هي في حاجة ماسة إلى الخبرة المغربية في العديد من المجالات سواء كانت مالية، تجارية، سياسية أو اجتماعية وذلك لتعزيز آفاق التعاون المشترك خلال المرحلة المقبلة وبهدف إنجاز المشاريع المشتركة في مجال التنمية المستدامة.
لكل هذه الاعتبارات فإن إفريقيا لن تضحي بشريك وازن مثل المغرب من أجل الدفاع عن مرتزقة وجمهورية وهمية لا تساوي شيئا في الخريطة السياسية والاقتصادية الدولية.
2

زر الذهاب إلى الأعلى