“السمفونية السادسة”: قصة علبة ليلية فوق قوانين مدينة الرباط

المحرر الرباط

 

و أنا جالس باحدى مقاهي مدينة الرباط، لفت انتباهي حديث رجلين كانا يجلسان على مقربة مني، حول ابنة صديق لهما، قاصر، ضبطها والدها داخل علبة ليلية تقع على مقربة من وكالة المغرب العربي للانباء، و تحمل اسم “السمفونية السادسة”، و ما اثار انتباهي أكثر، هو عندما صرح احد المتحدثين للاخر بان سن الفتاة المعنية بالامر لا يتجاوز السادسة عشر من العمر، فتبادر الى ذهني العديد من الاسئلة لعل اهمها “كيف تمكنت هذه الفتاة من دخول حانة من المفروض ان رخصتها تؤكد على أن خدماتها للبالغين و لغير المسلمين”؟

 

قررت أن أقف على هذا الامر بنفسي، و لأني لا اعرف اين تقع هذه الحانة، استعنت بخرائط غوغل، التي وفت و كفت، فاوصلتني الى باب الحانة، حيث يقف حارسين من الحجم الكبير، لا تتوفر فيهما ادنى شروط الانسانية، توجهت نحو البوابة لألج هذا العالم فاكتشفه، كان الحارسين بصدد الشجار مع رجل منعاه من الدخول لأنه لا يرتدي حداءا، فكان اول ما اكتشفه، هو أن هذا المكان الذي لا تحلق فوقه الملائكة، لا تحرسه بثاتا الملائكة، و انما شرذمة من عديمي الاخلاق، كلامهم خبيث و تصرفاتهم تعكس التشرد و الاجرام.

 

دخلت دون أن يعترض سبيلي أحد، تاركا ورائي الرجل و هو يتلقى لكمات من بلطجية المحل، كان المكان مظلما، بالكاد ارى طاولات وضعت عليها خمور، و لا وجود لاي اجنبي و كأن الخمر في المغرب لا يقدم الا للمسلمين، سالت النادل كيف يمكنني ان استفيد من خدمات المحل، فأخبرني أن في الاسفل غرفتين احداهما مخصصة لحفلات “الديدجي” و الاخرى مخصصة لسهرات ماجنة تتناغم فيها الفرق الموسيقية بين الشعبي و الراي، نزلت فوقفت على عالم اقل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه عالم لا تحكمه قوانين الرباط، و لا يتدخل في شؤونه رجال السلطة المخول لهم مراقبة الاماكن العمومية.

 

عاهرات و سكارى، أنغام موسيقية و قنينات خمر، تؤثت فضاء القاعة المتواجدة على اليمبن، و المخصصة لفرقة موسيقية يقودها فنان شعبي، صوته جميل و نغاماته لا تختلف كثيرا عن تلك التي ينفرد بها حجيب، وقعت عيناي على طاقم احدى البرامج الذي يقدم على القناة الثانية، تقوده سيدة ممتلئة الجسم، لا كلمة فوق كلمتها، و على ما يبدو فانها زبونة قديمة للمحل، جاءت بزملائها للسهر في ليلة سبت ماجنة، اقترب مني النادل فطالب مني شرب شيء ما، طلبت منه قنينة “بيرا” فاحضرها لي، و عندما انصرف، منحتها لعاهرة كانت تجلس بالقرب مني، وحيدة تلقي بصنارتها لعلها تجد من يمنحها تلك القنينة، فكرت في فتح موضوع الحانة معها فترددت، ثم قررت أن انتقل الى القاعة المحادية.

 

قاعة على يسار النازل الى قبو العلبة، الداخل اليها لاول مرة يعتقد نفسه في حضرة عبدة الشيطان، لا وجود لاي فرقة موسيقية، فقط شاب في الثلاثينات من عمره، بصدد تسخين الاجواء على طريقة “الديدجي”، و فتيات بالعشرات، أغلبهن قاصرات، تبدو على وجوههن البراءة، يتراقصن و هن فاقدات الوعي، فتبادرت الى ذهني أسئلة عديدة، ارتبط بعضها بأسباب غياب المراقبة، و البعض الاخر بفساد منظومة التعليم في بلادنا، حينها تاكدت من ان المجتمع في بلادنا هو السبب، و أن رجل التعليم لم و لن يستطيع في يوم من الايام، اقناع مثل تلك الفتيات بأن التعليم أحسن من “السمفونية السادسة”.

 

داخل هذه القاعة تغيب القوانين المتعارف عليها، و يحضر الشيطان رفقة أبناء عمومته، خمور منتشرة في كل مكان، و ألسنة دخان الحشيش تنبعث من كل مكان، فتيات قاصرات بصدد تدخين الحشيش، رفقة رجال في اعمار أبائهم، من يراقب هذا الوضع، من المسؤول عن هذا الانحلال الخلقي، الوالدين أم المدرسة، غياب القانون أم غياب القيم الدينية؟ 

 

اقتربت مني فتاة لم في عمر الزهور، ترقص و تترنح، طالبتني بان ادفع ثمن قنينة “هينيكل” لصالحها، سالتها مازحا: “وما المقابل؟؟؟” فأجابت بأنها مستعدة لفعل اي شيء أرغب فيه، قبل ان تجيب عن سؤالي حول سنها، بأنها ستطفؤ شمعتها السابعة العشر في شهر اكتوبر، كنت اتحدث اليها بصوت جد مرتفع، لأن صوت الموسيقى كان عاليا، طالبت النادل باعطائها ما طلبت مني فدفعت له، ثم دخلت معها في حوار تجاوبت معي من خلاله بكل اريحية، فسالتها عن الكيفية التي استطاعت من خلالها أن تلج العلبة الليلية و هي قاصر، فقالت أنها قد اعطت الحراس خارج الملهي عشرين درهما، شأنها شأن صديقاتها الثلاث، كما اسرت لي بان الحراس في هذا الملهى، يتاجرون في كل شيء، مقابل “عومار”، سالتها عن هذا الاسم فأجابت بكل بساطة “الفلوس”.

 

لم اتحمل بشاعة المنظر، و لم استطع الاستمرار في متابعة فتيات قاصرات في هذا المكان، فغادرته على الفور، وقفت امام بوابة الملهى، فاذا بالحارس يفتحه و في وجهه ابتسامة عريضة، توجه الى بالكلام قائلا “مرحبا”، قلت له شكرا، فأخبرني بانه في الخدمة و بامكانه تقديم المساعدة لي، لم ادخل معه في التفاصيل، لكنني فهمت ما يقصد، غادرت المكان في اتجاه سيارتي، هناك تحدثت الى الحارس الليلي حول الحانة، فلم يجبني الا ب “لا حول ولا قوة الا بالله العظيم”، حينها تاكدت من أن فساد المجتمع و التعليم في بلادنا لا يتحمله الوزير و من معهم فقط، و انما من يغض الطرف عن مثل هذه الاماكن، و بدوري أقول: “لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى